سام الغُباري
في مايو 2001م جلس الرئيس علي عبدالله صالح على كرسي من الجلد الأسود الفاخر، شبك أصابعه فوق طاولة براقة من خشب السنديان المصقول وأسند ذقنه إليها، يسمع بضجر تقرير وزير المالية عن خسائر «التجنيد الإلزامي في اليمن»، وحوله تناثر أعضاء مجلس الدفاع الوطني. قال الوزير «إن التجنيد يكلف الدولة أربعة مليارات ريال، وليس له أي نتيجة سوى تكديس مئات الآلاف من المراهقين في معسكرات إجبارية». ابتسم وزير الداخلية مُعلقًا: «لقد تجاوز العالم هذه الإجراءات المتخلفة!». تشجع وزير المالية مُضيفًا: «يمكننا بهذه المبالغ الضخمة توفير 60 ألف وظيفة للقطاع الحكومي». رُفع الاجتماع بإقرار تعطيل قانون التجنيد والاكتفاء بـ «البدل النقدي»!، كانت تلك إحدى أخطر قرارات «سوء التقدير» التي وافق عليها «صالح» وما أكثرها.
في الجوار كان تنظيم «الشباب المؤمن» بقيادة حسين بدرالدين الحوثي يجنّد آلاف المراهقين في «معسكرات صيفية» لإحياء ما أسموه «المذهب الزيدي»، انتشرت المعسكرات في مختلف المدن والقرى الشمالية بموافقة رسمية من الرئيس الذي أوقف في وقت لاحق تمويل تلك المعسكرات عقب اتفاقية الحدود اليمنية السعودية. إلا أنها لم تتوقف.
بعد ثلاثة أعوام، وجد «صالح» نفسه ملزمًا بخوض حرب ضروس مع أولئك الفتية الذين أوصد عليهم باب التجنيد الإلزامي الوطني، وقد فتح حسين الحوثي أبواب معسكراته وعبأ رؤوسهم بضلالات ملازمة وخرافات السُلالة المقدسة، وأفكار «ثورية» مذهبية تدعو للانتفاض على الحاكم الظالم - ويعني بذلك الرئيس الذي ينتمي إلى الهوية اليمنية. رغم الحرب والمواجهة المميتة والكُلفة الباهضة لم يُعقد مجلس الدفاع الوطني مرة أخرى للتراجع عن قراره الأحمق.
أصرَّ الحوثيون على مواجهة الدولة بجولات صراع عديدة مُجنِدين فتية جُدد لخوص حروبهم المُنهكة للنظام، كانت تلك فرصتهم في تعبئة جيل ناشئ لا يعني له الولاء الوطني شيئًا، عمَّد الحوثيون المستترون في أجهزة الدولة على إضعافها، وتسرب آلاف الفتية الذين أسرتهم حكايا الموت النازف في صعدة إلى معاقل الإرهاب السُلالي مُصدّرين قذائفهم الحارقة إلى القلب اليمني، كتب الإعلاميون المتواطئون عن الحوثي سطور غواية بددت شرف محاربته في أعين الناس الذين أكلتهم الحيرة، وجاء الربيع بقرنيه وقد تمكن الحوثيون من محافظة كاملة وشُرعت الأبواب لدخولهم عالم الثورة نكاية في رئيس تشوهت مقاصده لأسباب كثيرة. حتى سقط النظام واشتوى صالح في مسجد مفخخ بالغاز. ثم قرر التنازل وأعد خطته للانتقام. قائلاً بحسم: سأُسلح الحوثيين!، فعل ذلك من «مخزونه» الذي كان يفاخر به لمواجهة «العدو الافتراضي» القادم من وراء الحدود، إلا أن «العدو الحقيقي» كان حوله يصفق لعبوره الأخير في صراط الهلاك.
سأهتف من على بُعد من الرئيس هادي برجاء إعادة تفعيل قانون التجنيد الإلزامي للمتخرجين اليمنيين الجُدد، وتعبئتهم بالهوية الوطنية، وعشقهم لليمن والجمهورية والعروبة والإسلام، وتثقيفهم عن صراع اليوم، وجعلهم جزءًا من معسكر الدفاع عن الوطن، وجعلهم ذخيرة حية وناطقة في مواجهة الكهنوت السُلالي النشط ومآلاته المميتة. يجب أن يذهبوا إلى المعسكرات يا فخامة الرئيس قبل أن تتخطفهم غربان الويل وتأكل من رؤوسهم.
سأظل أهتف بذلك.. اهتفوا معي أيضًا.
وإلى لقاء يتجدد
** **
- كاتب وصحافي يمني