عبدالعزيز السماري
بعد العديد من المحاولات، صمم البروسي الألماني موريتز جاكوبي أول محرك كهربائي دوار في مايو 1834، والذي طوّر قوة خرج ميكانيكية مذهلة. فقد سجّل محركه رقماً قياسياً عالمياً تم تحسينه بعد أربع سنوات فقط في سبتمبر 1838 من قبل جاكوبي نفسه، وكان محرك سيارته الثاني قوياً بما فيه الكفاية لقيادة قارب مع 14 شخصاً عبر نهر واسع، لم يكن الأمر كذلك حتى عام 1839-40، حيث تمكن مطورون آخرون من بناء محركات مماثلة وأحدث في وقت لاحق من الأداء العالي..
كان هذا الاختراق مفتاح الغرب في دخول في عصر الصناعة من أوسع أبوابه، فقد انطلقوا في مجال الصناعة بدون منافس، وأصبح اقتصادهم يهيمن على جميع الصناعات، إلى أن قرّرت دول شرق آسيا دخول المعترك من خلال فكر صناعي متقدِّم، فكانت اليابان أول من نقل تلك التقنية إلى آسيا، فصناعة المحرّك مفتاح أي صناعة، ولا يمكن لدولة أن تدخل الطور الصناعي بدون مبادرة في صناعات المحركات..
لعل التجربة الكورية الجنوبية الأقرب لتجارب الفشل العربي، فقد بدأ تاريخ صناعة السيارات الكورية في أغسطس 1955، عندما قام تشوي مو سونغ، رجل أعمال كوري، واثنان من إخوته (تشوي هاي-سونغ وتشوي سون-سيونغ)، بتركيب محرك جيب معدّل على جسم سيارة على غرار جيب مصنوعة من الصفائح المعدنية وتوالت التحولات الصناعية الكورية بعد ذلك لتصل إلى منافسة الدول الغربية في الصناعة الثقيلة..
كشفت الصين مؤخراً عن بناء أول مصنع لمحركات الطائرات بغرض الاكتفاء الذاتي، وعدم الحاجة إلى الاستيراد بعد ما استثمرت الحكومة الصينية بالتعاون مع بلدية بكين وشركة صناعة الطائرات، المملوكة للدولة أيضاً، أموالاً لإطلاق محرك الطائرات الجديد AECC.
بينما الحال لم تتغيَّر في البلاد العربية، فما يجري فيها خارج حقول الصناعة، فهم يتوهمون أنهم يصنعون عبر إعادة تجميع القطع المصنوعة في الخارج، ولم تحاول دولة عربية أن تؤسس لصناعة حقيقية، ولم تكن هناك تجارب تحاول بالفعل دخول عصر الصناعة، فهم تائهون في مشاريع لا تنتهي، بل إن أغلبها لا يكتمل، ولكن تحيطه بروباجندا إعلامية أقرب إلى المثل المشهور أسمع جعجعة ولا أرى طحناً..
خلال قرن من الزمان لم يحقق العرب أي تقدم في مجال الصناعة، فهم يعتمدون على الخارج في صناعاتهم، ويكتفون ببيع المواد الخام ومشتقاتها إلى الشرق والغرب، وهو ما يرفع كثيراً من علامات الاستفهام عن أسباب تخلّف العرب في مجال الصناعة التي لا يمكن أن تكون حقيقية بدون صناعة محركات متطورة، وبالتالي دخول عصر الآلة..
سيكون من الصعوبة أن نضع الحلول في هذه العجالة، فالأمر يحتاج إلى دراسة عن تلك الأسباب، والبحث عن العوامل التي قادت كوريا الجنوبية إلى النجاح، ولكن أدت إلى فشل برامج التنمية العربية، فالوضع اقتصادياً في بعض الدول العربية يهدّد بالانفجار والفوضى، فهل نبدأ بالتفكير خارج تجارب الفشل الذي أوصلتنا إلى مرحلة اليأس من تحقيق أي نجاح، أو اختراق اقتصادي منذ الاستقلال قبل قرن من الزمان..
فتشوا عن العقول المبتكرة فلديها الحل، وأوقفوا هجرات العلماء والمبتكرين إلى الغرب، فخسارتهم لن تُعوّض بسهولة، وافتحوا مراكز الأبحاث العلمية، واستثمروا في الأجيال الجديدة قبل أن تحترق عقولهم في دوائر التكرار والشعور بالعجز أمام التفوق الغربي في مختلف المجالات..