د. عهود سالم
في طريقي إلى المطار في كاليفورنيا، قابلت براين. وبراين هو سائق أوبر الذي سيوصلني إلى هناك. هو من نمط السائقين اللطفاء الذين لا يتعبون من الحديث. لكن عندما تعطي نفسك فرصة أكثر ستجد بأنه لا يتحدث من باب اللطف كعادة الأمريكان بل من باب الخوف. وطريقته في التعرف على الركاب معه هي من خلال الحديث معهم، كما قال لي لاحقًا.
براين في بداية الثلاثين من العمر، أتى إلى أمريكا وهو في السادسة من عمره. أصوله تعود إلى فيتنام، وما زال يحتفظ بلكنة ثقيلة على غير المتوقع. وأول جملة قالها لي عندما عرف أني متوجهة لبوسطن هي: «أنتِ فتاة قوية»، ولم أستوعب أين القوة في السفر إلى بوسطن. وعندما سألته هذا السؤال، أجاب: «أنا لا أستطيع أن أسافر وحدي. أنا أخاف ولن أصمد وسأضيع حتمًا». ما زلت في عقلي الداخلي غير قادرة على استيعاب فكرة أن يضيع شاب في الثلاثين من عمره فقط لأنه سافر لمدينة أخرى! لكن عندما تركته يسترسل في حديثه عرفت بأنه تربى في العزلة، ونشأ وفي قدمه قيد بالمعنى المجازي للكلمة. كل ما كان يفعل براين هو أن يذهب للمدرسة ويعود من المدرسة. عالمه هو أمه، والده وشقيقته التي تقول له إنها فخورة به كونه خرج من المنزل وحصل على وظيفة. وظيفة براين الوحيدة هي العمل كسائق أوبر. وهو فخور جدًا بوظيفته هذه لأن سيارته هي الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يسيطر عليه في حياته. ولا يتخيل أن يحيا دون أن يقود سيارته على حد قوله. عمومًا، وصلت للمطار. ساعدني براين في إنزال حقيبتي من السيارة وشكرني هو لأن ركابًا مثلي هم السبب الوحيد الذي يأخذه للمطار، مكتفيًا برؤيته من الخارج. وانتهت الحكاية.
تأملت الموقف وأدركت أن كثيراً من الشعوب لا تختلف كثيرًا عن براين في كثير من الأحيان. وإن حالف بعض الشعوب الحظ ولم تكن براين فحتمًا ستكون كعائلة براين التي قدمت لابنها العزلة وخرّجت للحياة شابًّا غير قادر على الحياة. وفي لحظة صدق، أدركت أن براين هو بعضنا عندما نسكن في الخوف والعزلة والقيد. نرى ما لا يمكننا فعله وليس ما يمكننا أن نصير إليه. تأتينا الفرص ونتركها تذهب من بين أيدينا. براين هو نحن في كثير من دول العالم عندما يأخذ بعض شعوبها القدر لأرض الأحلام فتبقى كما هي بدون تعليم، ولا وظيفة جيدة وبلكنة ثقيلة. براين هو الشخص الذي ركز على خوفه ولم يحاول فرأى في فتاة مثلي مشروع بطلة.
لن أتحدث عن عائلة براين، لأني أرفض أن أنظر لبراين كضحية! وما زلت أعتقد بأنه يستطيع أن يكون أكثر من شاب خائف. فقط إن اقتنع بأن العالم أكبر من عائلته، وفي الخارج توجد فرص، مغامرة وحياة. نعم، ستكون الطريق بالنسبة لبعضنا غير سالكة في معظم الأحيان، ولكن سينتظرنا عليها أناس يحملون أحلامًا تشبه أحلامنا، سننتمي إليهم وسينتمون إلينا وسننسى في لحظة صعوبات الطريق. كل ما نحتاجه هو أن نخرج للحياة وألا نعزل أنفسنا. خلاصة القول: كل قيد هو ذهني بالدرجة الأولى. ويمكن فكه، فقط إن واجهته.