عبد الرحمن بن محمد السدحان
* عُقدت على هامشِ مهرجان الجنادرية عام 1415هـ ندوة فكرية تاريخية عن تحديات التربية والتعليم لخليجنا العربي، وكانت من أشد الوقائع وأكثرها استقطابًا للحضور! وشَارَكَ في طَرْح الرُّؤْية حولها ثَالوثٌ تَربَويّ متمكِّن ضَمَّ كلاّ من معَالي الدكتور أحمد الرُّبعي (رحمه الله)، وزير التَّربية والتعليم العَالي وقتئذ في دَولة الكويت، ومعالي الأستاذ الدكتور محمد الأحمد الرشيد، عضو مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية آنئذ ثم وزير التربية فيما بعد (رحمه الله)، والخبير التربوي الأستاذ الدكتور أحمد المهدي عبدالحليم، ورأس اللقاء الإعلامي والتربوي والأكاديمي المخضرم، معالي الدكتور حمود البدر، الأمين العام لمجلس الشورى آنئذ (رحمه الله)، ولقد أدلى المشاركون الثلاثة في اللقاء بما لديهم معرفةً واختصاصًا، وشَدّ الرِّحال إليه ما يدنو من الألف مستمع.
***
* وهنا، لا بدّ من الإشارة بإعجاب وتقدير إلى أن المرحوم الدكتور أحمد الربعي، كان أشدّ المشاركين استقطابًا للأذهان.. لا بحُكم موقعه السياسي أو الوظيفي فحسب ولكن بطرحه الفذ الذي سَمَّى كثيراً من الأمور بمسمياتها، فقد لخَّص في عبارات وجيزة وصريحة محاور المحنة التي تواجهها التربية الخليجية في البنود التالية:
1) أنّ عملية (التقويم) للمسار التربوي في أكثر من بلد عربي وخليجي تتأثّر أحيانًا بنزعة (المجاملة) تقويمًا وتقريرًا.. فيبدو وكأنّ (كلّ شيء على ما يرام)، وأتساءل هنا إذا كان كل شيء (على ما يرام)، فلِمَ التقويمُ أصلاً؟!
***
2) أنّ أمام الشعوب العربية شوطًا طويلاً لتطوير أجهزتها ومنظوماتها التربوية، رغم أنها، من وجهة نظر الدكتور الربعي، قد خرجت من حلبة السباق مع الشعوب المتطورة، وباتت (تلعب) في الوقت الضائع، لكنَّ هذا لا يُعفيها من (اللّعب) حتى النهاية، إنقاذًا لما يمكن إنقاذه!
***
3) أن التربية هي المعركة الحقيقية التي يجب أن يخوضها الإنسان العربيّ، حيثما كان، كي يتخلص من غول الجهل والتخلف.
***
4) كما شدّد معاليه على أن الهدف الأخير والأَسمى للتربية هو (صياغة) إنسان قادر على الفهم، وعلى الحوار، وعلى التعايش مع (الآخر).. تفهّمًا وحلمًا وإنجازًا!
***
* كما كرّس الدكتور الربعي جزءاً من حديثه للعملية البيروقراطية التي تُسَّير وتُصَيَّر بها شؤون وغايات التربية في أكثر من مكان.. مشيرًا إلى أنَّ الجزء الأكبر من ميزانيات التشغيل يجب أن تنصبَّ على ثالوث التربية: المدرس والكتاب وقاعة الدرس، وهذا بدوره سينعكس إيجابيًا على مُخْرَجات التربية عبر مراحلها المختلفة.
***
* وأود أن أنهي هذه المداخلة اليسيرة بالسطور التالية:
أولاً) أنَّ اهتمامي بما قاله الدكتور أحمد الربعي في ندوة التنمية المشار إليها لا يعني التهميشَ أو التجاهلَ لما جاد به شريكاه الفاضلان، الأستاذ الدكتور محمد الرشيد، والأستاذ الدكتور أحمد عبدالحليم، فقد أفاض وأجاد كلّ منهما في طرحه، بما هو مألوف أو جديد حول قضايا التربية، وكانا صريحين في الدعوة إلى (مستقبل) أفضل للحِرَاك التربوي.. يمكن أن يُسهم في صياغة إنسان أكثر وعيًا وفهمًا وأداءً.
ثانيًا) لكن ما يميز مداخلة الدكتور الربعي هو تشخيصه للداء التربوي بلغة مباشرة، وخطاب حاضر نفذ إلى الأذهان واستقر في القلوب.
ثالثًا) أن الإعجاب بطرح كهذا لا يعني بالضرورة تسليم كاتب هذه السطور بكل عناصر الطرح، دون تأمل أو سؤال.. أو اختلافٍ لا يفسد للظن قضية!