محمد آل الشيخ
نحن في الآونة الأخيرة نعيش تغيرات اجتماعية وثقافية واقتصادية نأمل أن تخرجنا من التقوقع، وتلحقنا بالعالم المتفوق. بمعنى آخر أننا نعيش وضعًا جديدًا يختلف إلى حد كبير عن الوضع القديم، والتغيّر في حد ذاته، وعدم الثبات والركود هو بشكل عام فعل إيجابي مطلوب، لأن التطور لا يمكن أن يتحقق إلا بالتغير، الذي يراه البعض قد يمس ما يسمونه (الهوية السعودية)، التي يُسبغ عليها البعض مسحة تقديسية وهمية، مع أن أغلب تفاصيلها لا علاقة لها بالدين قدر علاقتها بالعادات والتقاليد الموروثة.
وغني عن القول إن القديم له حراس مستفيدون منه، وسوف يقاومون أي حراك ثقافي واجتماعي من شأنه مصادرة مصالحهم ونفوذهم، بكل ما أوتوا من قوة. ومن يقرأ التاريخ، وبالذات تاريخ الأمم الأخرى، يجد دائماً وأبداً أن التغيرات الحداثية لا تتم دون أن يكون خلفها ساسة مصلحون متنورون، خذ مثلاً مارتن لوثر ما كان بإمكان حركته الإصلاحية التي غيرت وجه أوروبا لتنجح لو لم يكن خلفه أمراء ألمان نافذون. إضافة إلى أن هذا التغير يحتاج أيضاً إلى قدر ليس قليلاً من الشجاعة والإقدام أولاً وكذلك شيء من الحزم والقوة تجاه ردود الأفعال الرافضة، لأن الناس عادة ما يُدافعون عمّا برمجوا عليه من نعومة أظفارهم، وهم بذلك لو تركوا يُدافعون عن أفكارهم فهم بشكل تلقائي سيقفون مع ما برمجوا عليه، ما لم يكن للنظام الجديد القدرة والقوة لفرض الحداثة على حساب القديم العتيق. هنا يعني أن رأي الأقلية والأكثرية يجب ألا يأخذه صاحب القرار في الحسبان؛ خذ تعليم المرأة في المملكة مثلاً، فقد كان ذلك القرار التنموي في بداياته يرفضه كثيرون، حتى إن السلطة السياسية اضطرت إلى الاستعانة بالقوة لفرضه في البداية في بعض الأرياف، أما الآن فيستحيل أن ترى من يقف منه موقفاً رافضاً. وكذلك التلفزيون الذي حرمه كثير من الفقهاء وبعض طلبة العلم، لكنهم الآن لم يقبلوه فحسب، وإنما كما يقولون (أسلموه)، وجعلوا منه منبرًا دعويًا. وكذلك الجوال (أبو كاميرا) كما كانوا يسمونه، ثم اضطروا للإذعان له.
كل تاريخنا هذا يثبت أن السياسي في أحايين كثيرة يحتاج إلى الحزم والقوة لنقل المجتمعات من حالة يكتنفها التخلف إلى حالة التطور والحداثة.
الأمر الآخر أن كثيرًا من الانتهازيين المسيسين وظفوا عاطفة الدين الجياشة لمقاومة الحداثة، وهؤلاء - للأسف - كانوا متمكنين في الماضي من مجتمعاتنا في أغلب مفاصل الأجهزة التنفيذية، ولو أنهم تركوا ولم تعاملهم الدولة بحزم لأفشلوا كل فعاليات التغيّر الثقافي والاجتماعي التي نعيشها الآن بما يملكون من منابر ومنصات شعبوية سيسلطونها في الحرب على الجديد لأن مصالحهم المالية والاجتماعية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقديم، لذلك جرى توقيف كبار أساطينهم، وخاف الآخرون، ولاذوا بالصمت المطبق، فرأينا (التطبيع) مع العالم وثقافة العالم يسير وما يزال بيسر وسهولة ومنهجية، أما تلك الأصوات الصحوية المزعجة التي كانت تهددنا في الماضي بالويل والثبور وعواقب الأمور، فتحولوا إلى أعجاز نخل خاوية، أينهم وأين تلك الأصوات المرجفة التي كانت تهز أعواد المنابر، فقد اختفوا وكأنهم فص ملح ذاب.
نعم وألف نعم، هناك ربما أخطاء هنا وهناك، وجل من لا يُخطئ، فالوحيد الذي لا يخطئ هو (فقط) ذلك الذي لا يعمل؛ ورغم أنهم ومعهم أسيادهم خارج المملكة حاولوا بكل ما يملكون من قوة ناعمة، أن يوقفوا عملية الإصلاح، بكل الطرق لكنهم باؤوا بالفشل، بسبب الالتفاف غير المسبوق للمواطنين حول القيادة، ممثلة بالملك وولي عهده، مما أصابهم بالانبهار، وأدركوا قطعاً أن هذه البلاد أقوى وأرسخ وأثبت مما كانوا يتصورون.
إلى اللقاء