إبراهيم عبدالله العمار
الدين الغالب في روسيا هو النصرانية الشرقية التي تُعرف بالأرثذوكسية.. كيف صارت روسيا إلى ذلك؟.. هل بالاقتناع التدريجي كما أسلمت إندونيسيا لما احتكوا بالتجار العرب؟.. أم بالإرهاب والعذاب كما أُجبرت أمريكا اللاتينية أن تتنصّر وتتأسبن على يد الكونكيستادور ومذابحهم؟.. إنها قصة غريبة، بطلها الأمير فلاديمير رئيس الروس في كييف قبل عام 1000م بقليل، والذي جمع بين الحكمة والحماقة!.
أما حكمته فتأتي من رغبته في ترك الوثنية التي عاشتها أمته آلاف السنين، واختياره لدين سماوي، وذلك لأن الكثير من سفراء الدول الأرثذوكسية والكاثوليكية والإسلامية دعوه إلى أديانهم، فقرر التعرف عليها عن قرب.. أرسل فلاديمير مبعوثيه إلى نصارى الغرب الكاثوليك في ألمانيا -اليوم- فقصوا عليه ما رأوا وامتعض من ذلك، ووصف الكاثوليكية أنها كئيبة خالية من البهجة. اليهود ليسوا أصحاب دعوة ومع ذلك أراد فلاديمير معرفة دينهم، لكنه رفضه لأنهم فقدوا بيت المقدس على يد الرومان الوثنيين وهذه إشارة أن الله هجرهم. ثم لما وصل رسل فلاديمير إلى كنيسة أيا صوفيا في القسطنطينية... ذُهلوا. كان الأرثذوكس صنعوا احتفالاً ضخماً ليبهروا الرسل، والذين نظروا مُفتتنين إلى الجموع الغفيرة والاحتفالات البهيجة والأغاني الجميلة والمأكولات اللذيذة والمشروبات الوفيرة فقالوا لزعيمهم فلاديمير: «لم نعرف أنحن في الدنيا أم الجنة!».
أقرب دولة مسلمة دولة المسلمين البلغار وهي دولة حَكمت 600 سنة على نهر الفولجا في روسيا اليوم، زارها الرسل ثم عادوا إلى فلاديمير وأخبروه عما رأوا، فلم يرضَ بالإسلام ورفضه. لماذا؟.. بسبب تحريم الخنزير والخمر! عبارته محفوظة في كتب التاريخ إلى اليوم: «الخمر سعادة الروس، لا يمكن أن نعيش بدون تلك المتعة». تفاهة عقل مدهشة! هل هذا معيار لحرمان أمة كاملة من الدين الحق؟.. باء الآن بإثم أعداد هائلة إلى يوم القيامة. لم يراعِ عظمة الإسلام التشريعية والأخلاقية والعملية، نظر إلى جزئية صغيرة ونبذ الباقي كله، وكان الأهون أن يختار الإسلام ويشرب الخمر، إذاً لمات عاصياً تُرجى له الرحمة بدلاً من أن يكون عليه ليس إثم شركه فقط بل أمته كلها (مئات الملايين حتى الآن).
وكان هذا أساس القرار التاريخي: ستكون روسيا دولة نصرانية أرثذوكسية. سبب القرار مضحك، مجرد انبهار بزخارف دنيوية يمكن اليوم لأيّ وكالة إعلانية ترتيب أفضل منها بكثير، ولكن آثار القرار ضخمة، فاليوم روسيا هي الدولة الوحيدة الكبرى التي تدين بالأرثذوكسية، وظلت هكذا قروناً بسبب هذا القرار.