د. محمد عبدالله العوين
لا أدري كيف يصدِّق بعض الناس ادّعاء أي «منجّم» أو «قارئ كف» أو «ضاربة ودع» أو «عرّاف أو عرّافة» ما يزعمون أنهم يعلمونه من الأسرار المخفية في الحياة الشخصية من حياة أو موت أو صحة أو مرض أو نجاح أو إخفاق أو حب أو كره أو ربح أو خسارة، أو في القضايا السياسية من حروب ونزاعات وتقلبات في أوضاع الحكم في بلدان العالم وغياب شخصية سياسية أو اختفائها عن مسرح الأحداث، ونحو ذلك مما يشغل الرأي العام.
مع العلم بأن إتيان السحرة والكهان لمعرفة المغيب وتصديقهم أمر محرَّم شرعاً للحديث النبوي الكريم «من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً»، وفي الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم «من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد».
ما الذي يمنح المنجّم القدرة الخارقة التي تمكنه من كشف الحجب وقراءة الأسرار المخفية في حياة الناس؟ ما هي جوانب العبقرية في شخصيات العرَّافين التي ترتفع بهم عن غيرهم من البشر كي يمنحوا المقدرة على معرفة المحجوب من الأسرار؟!
إننا نقرأ عن اعتياد مشاهير من سياسيين ورجال أعمال ونجوم فن ورياضة وغيرهم على سؤال المنجمين عن حظوظهم فيداخلنا العجب كيف يتكئ فطن نابه أوتي عقلاً ناضجاً على تخاريف منجّم؟!
قرأت مرة حواراً نُشر في صحيفة عربية مع منجّم عراقي شهير اسمه «عبد الحميد الأزري» يدّعي أنه «رئيس الاتحاد العالمي للفلكيين» أي السحرة! زعم فيه أنه صنع «تعويذة» يلبسها من دفع له مبلغاً طائلاً من المال يصل إلى ملايين الدولارات تمنع إصابته بالرصاص لو أطلق عليه، وقد جربها على «خروف» وأطلق عليه رصاصات من مسدس فأصابته ولم يمت!
والحق أن الساحر أدخل الملعوب عليه في عملية تغييب وعي مؤقتة فصدّقه كما يفعل اللاعبون على المسرح ممن يدّعون الخوارق، ولو كانت التعويذة المزعومة تمنع الموت لدفعت الموت عن الساحر نفسه الذي قتل في شقته في باريس في حادث غامض.
وفي كتاب «مذكرات خمسة وخمسين شهراً في مخبئي «لمؤلفه» محمد شكري الكروادي يذكر فيه أنه في أثناء اختفائه عن الأمن المصري بعد اتهامه بقضية أمنية ونشر صوره في الصحف ومنح جائزة لمن يدلي بمعلومة عنه أنه اختفى فترة ثم أطال شعر لحيته وتغيَّرت ملامح وجهه ولبس ملابس رثة وسكن حياً شعبياً ثم ادّعى أنه من الصالحين الذين وهبوا معرفة الأسرار وقراءة الطالع وشفاء المرضى؛ فأقبل عليه المغفلون وصار الزحام شديداً على داره، بينما كان يعتمد على فراسته الشخصية في قراءة وجوه المتعبين الذين ينتظرون منه كلمة ترفع من معنوياتهم ويستشف الإجابة عليهم من سياق معاناتهم كما أشار في مذكراته، وبعد أن تغيّرت الأوضاع السياسية عام 1952م أزال الشكل الكهنوتي وخرج من مخبئه وعاد إلى شخصيته القديمة.