علي الخزيم
مخطئ من يقول إنه رقم في كل ما يعمله من أنشطة خلال يومه، وهي مقولة درج عليها البعض زمناً ليس بالقليل، ومنهم من يتندَّر بها للدلالة على أن الثورة الرقمية الحديثة جعلت أعمال الإنسان تعتمد على الرقم في حله وترحاله وسائر أعماله تقريباً، سواء باصطفاف خباز التميس أو عند القبول بالجامعة وعند الطبيب وحين ركوب وسيلة نقل كالطائرة ونحوها؛ فأنت تحمل رقماً يدل عليك لتقديم الخدمة لك، غير أن العرب والمسلمين بمفكريهم ورياضييهم قد قالوا غير ذلك! فماذا يرون؟.
قالوا: (الأرقام ليست أعدادًا وإنما هي أشكال تُكتب بها رموز الأعداد، وإذا كانت الأعداد ليس لها آخر فإن الأرقام عددها عشرة)، والأرقام العربية اسم يطلق على سلسلة الأرقام المستخدمة على مستوى العالم، وهكذا تُسمى بالمخطوطات الغربية، وبينما يستخدم الغرب الأرقام العربية استخدم العرب الأرقام الهندية، وكما أخذت الأمم الأخرى من العرب والمسلمين جُل أفكارهم وإنتاجهم العلمي والثقافي والرياضي والهندسي؛ فقد حرص خلفاء المسلمين على كسب المعرفة من الأمم الأخرى وهذا ديدنهم امتثالاً لما جاء بالقرآن الكريم والسنة المطهرة من الحث على التعلم والاستبصار والبحث والاستقصاء، وهو من كمال عقل المرء ونبوغه ونباهته وقوة إيمانه؛ فكلما تدَبَّر ما بين يديه من معارف زادت ذخيرته الفكرية العلمية ما يؤهله لأن يكون أعرف وأخبر بدينه ودنياه وأقرب إلى الله سبحانه صلاةً وتسبيحاً وإخلاصاً بالقول والعمل.
وكانت بداية العرب إلى الترقيم بالأعداد حينما وفد فلكي هندي إلى مجلس الخليفة المنصور وبحوزته كتاب بالفلك والرياضيات يتضمن فكرة الأرقام من (1- 9) إلاَّ أن العرب حينها زادوا الصفر في ثورة حسابية رياضية أذهلت العالم ونقلتهم إلى آفاق علمية متجددة ولا زالت منافعها إلى اليوم، وكلَّف الخليفة الفلكي العربي المسلم (محمد بن إبراهيم الفزاري) فعكف على ترجمة مضمون الكتاب إلا أنه طوَّر مضامينه الفكرية وتوسع بقواعده الرياضية الفلكية ليكون علماً جديداً أخذته الأمم الأخرى عن العرب، ولا تثريب بذلك إذ إن التلاقح الثقافي العلمي سُنَّة الأمم فيما بينها، وجاء عصر الخليفة المأمون حين استخدم العالِم المسلم (محمد بن موسى الخوارزمي) النظام العَشْرِي للحساب، وانبثقت طريقته بين الأمم واستخدمها الغرب والعالم حتى الآن وتعرف باسمه، وابتكر الخوارزمي مجموعة أخرى من الأرقام تُعرف اليوم باسم الأرقام العربية، لكنها لم تحظ بانتشار واسع، وفيما بعد استعملها العرب بالأندلس والمغرب العربي ومن هناك انتشرت إلى أوروبا ثم بأنحاء العالم كله.
إذاً فأنا هنا بمملكة العز والعزم والحزم والإنسانية عدد ولست رقماً؛ وافتخر إني بين أعداد هذا الشعب الوفي العظيم مخلصاً كما أخلص الصالحون -بعون الله- لدينهم وأرضهم وقيادتهم وأنعم بها من قيادة حققت لشعبها وللأمتين العربية والإسلامية أمجاداً ومحامد ومفاخر كدنا أن نفقدها لولا لطف الله بنا وتيسيره قيام هذه الدولة العربية الأصيلة لتصون -بإذن الله- ما للعرب من شيم ومناقب ومروءات وبطولات، فلا تنساق مع المُرَقِّمين وكن مع أعداد الجماعة.