سمر المقرن
هناك شيء من اللبس لدى الناس فيما بين المفاهيم، فيسود الاعتقاد بأن «التغافل» هو من أشكال الغباء، أو أنه نوع من ضعف الشخصية، بينما هو مهارة إنسانية عالية المستوى من الذكاء، وقوة حديدية في شخصية الشخص المتغافل.
ممتع جداً، أن يتقن الإنسان مهارة التغافل عن أخطاء الآخرين، وعن الزلات غير المقصودة، أو العبارات، التي قد يجترها الحديث لتصبح قضية كبرى ويدخل في جدل عقيم وتتراكم مشاعر سلبية تؤثر على الإنسان نفسه وعلى الآخرين، سلسلة طويلة من الشرور الناتجة عن عدم التغافل، والبحث عن الزلات بسبب أو بدون سبب، كما أن هذا النوع من البشر يصبح مكروهاً بين الناس، غير مرغوب فيه، ولا في حديثه ولا أسلوبه ولا في الجلوس معه، ينفر منه الناس، وهو يعتقد أنه ذكي وأن هذا النفور بسبب ذكائه الزائد وقدرته على اصطياد زلات الآخرين. هذا الطبع السيء تطوّر فلم يعد في المجالس فقط، بل انتقل إلى عالم التكنولوجيا، وتطور بالأدوات الحديثة فأصبح حالة يجمع بها -بعضهم- المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولهذه النوعية من الناس جماهير تشبههم، وتبحث عن القيل والقال والاصطياد في الماء العكر!
الإنسان المتغافل، يمتلك القدرة الكاملة على ضبط النفس، ولديه نظرة بعيدة المدى لعواقب الأمور ويحسب جيداً نتائج العواقب ومكاسب التجاوز ورفع النفس عن سفاسف الأمور.
الإنسان الذي يمتلك القدرة على التغافل أرباحه ليست قريبة المدى فقط، بل هو رابحٌ دائم، وهذا ليس على مستوى العلاقات بالناس، بل حتى في محيط بيته وأهله وتعامله مع أبنائه، وتنشئتهم في محيط سوي أخلاقياً وإنسانياً، يبني علاقة عمادها المحبة وينزل في أعلى مراتبها الاحترام والتقدير.
التغافل عادة إيجابية في طباع بعض البشر، لكنها لا يجب أن تصل إلى حد السلبية، فالتغافل عن الزلات والهفوات هو المطلوب، على ألا يتبعه التغافل الكامل حتى عن الإيجابيات والأشياء الجميلة، التي بالفطنة تحتاج إلى تنمية وإشارة وذكر لها حتى تنمو وتعظم في الآخرين.
أيضاً التغافل لا يكون عن الزلات والهفوات فقط، بل حتى على مستوى المواضيع والنقاش وعدم التركيز على نقاط الضعف لدى الطرف الآخر، ومحاولة إحراجه.
جميل جداً، أن يرتقي الإنسان بنفسه وأخلاقه وأن يكون التغافل الجزء الأكبر منها لتنمو في الإنسانية مساحات مبهجة في الصفاء مع الذات ومن حولها.