د. عبدالرحمن الشلاش
قبل أن أنتقل إلى التعليم الجامعي قضيت شطراً من حياتي العملية مديراً في مدارس التعليم العام بمراحلها الثلاث ثم أخيراً الإشراف التربوي. تختلف المدارس الثلاث كثيراً في نوعية المعلمين وخصائص الطلاب، لكن العنصر الثابت فيها دائماً أولياء الأمور، ومع هؤلاء بالذات تقف كثيراً فولي الأمر غالباً لا تستطيع التحكم في شيء منه فهو عادة زائر يأتي إلى المدرسة في أوقات متفاوتة ليطمئن على ابنه، أو يشرف المدرسة تلبية لدعوة تلقاها كي يقف معها لحل مشكلة تسبب فيها أبنه المصون والمحروس بأمر الله، أو ليناقش مع المرشد الطلابي أو أحد المعلمين مستوى ابنه الدراسي، وبين الأولياء القادمين ستجد تفاوتاً كبيراً في مستوياتهم الفكرية والعلمية وفي أساليبهم في التعامل.. طبعاً لا أضع الشهادة معياراً فقد يأتيك دكتور جامعي لكنه لا يجيد أيّ نوع من التعامل مع المدرسة بدءاً بمديرها وانتهاءً بحارسها يحدث الضجيج والصخب ويرفع لسانه على الجميع ثم يخرج من باب المدرسة دون أن يسهم ولو بجزء يسير في حل مشكلة ابنه، بل ربما أدى حضوره لتعقيد المشكلة حتى قلنا وقتها ليته لم يحضر.
في بعض الأوقات يكون ولي الأمر محدود التأهيل العلمي لكنه متفهم جداً وشديد الحرص على تذليل أيّ مشكلة تعترض مسيرة أبنه، بل إن بعضهم يبدي استعداده للتعاون مع المدرسة في أيّ مجال يطلب منه، وبعضهم يغمرنا والمعلمين بالدعاء الحار والشكر على ما يبذل من جهود.
تفاوت أولياء الأمور في تعاملهم مع المدرسة يعود في نظري لعوامل كثيرة منها البيئة الأسرية التي يعيش في وسطها وجماعات الرفاق ومدى اتجاهاتهم نحو المدرسة فقد لاحظت في تلك الفترة أن بعض أولياء الأمور يحضرون إلى المدرسة وهم يحملون في رؤوسهم أفكاراً سلبية عنها ربما تشربوها من المجتمع المحيط بهم أو من وسائل الإعلام والمسلسلات أومن القصص والروايات التي تصور المدرسة وكأنها العدو الأول للطالب يمثل فيها المعلم دور الجلاد، وعند حضور مثل هذه النوعية إلى المدرسة يجتهد الجميع في محاولات لتبديل قناعاته وحين لا يفلحون معه يبحثون عن طرق أخرى مثل إلغاء فكرة الاستعانة به نهائياً بفتح التواصل مباشرة مع الابن وخاصة في المرحلة الثانوية وفي حالات كثيرة تتدخل الأمهات عن طريق التواصل التلفوني ثم ممارسة الضغط على الأب السلبي، أو اتخاذ القرارات عوضا عنه.
طبعاً بعض الآباء لا يحضرون إلى المدرسة أبداً، وبعضهم في السنة مرة لذلك كنا نحرص كثيراً على الأب المتفاعل، ولا أخفيكم أننا كنا في معظم الحالات نحكم على الأب قبل حضوره للمدرسة فهذا الشبل من ذاك الأسد أو العكس.
أكثر ما كان يؤلمني في تلك الفترة أن تركيز معظم الآباء الذين يترددون على المدرسة أو يتصلون هاتفياً سؤالهم الدائم عن المستوى العلمي للابن وعن درجاته في كل مادة، وكنت أعتب عليهم وأطلب منهم أن يكون اهتمامهم أولاً بسلوكيات أبنائهم وطرق تعاملهم مع الآخرين ثم مستواهم العلمي فما فائدة أن يكون الطالب متفوقاً دراسياً وسلوكه في الحضيض لكن مع هذا يفاجئك ولي أمر حين يطلق صوته عالياً ويقول أهم شيء الدرجات.