خالد بن عبدالكريم الجاسر
الثقافة هي الروح التي تجمع المجتمعات وتحثها على التنمية والتطور، بل هي متنفسها الأصيل الزاخر بالحياة في حوار جماعي يوحد الشعوب ويجمعها على المسار الصحيح لفطرتها، ومن أجل أن نرتقي، بزغ نور العرس الثقافي، بعهد العاهل السعودي الراحل، الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله، صاحب الفكرة والمؤسس لهذا المهرجان العظيم، الذي يقام منذ عام 1985، ليرعاه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -أطال الله عمرهما- وغالباً ما يكون موعده في فصل الربيع، ويجذب زواراً من داخل وخارج المملكة، في وقت كانت فيه لبنة من لبنات تأكيد وحدة البلاد، وعناية ولاة الأمر بكل مكوناتها وأهلها. ولتستطيع من خلاله مملكتنا الحبيبة إظهار تراثها بعمقه التاريخي، وإرثه الحضاري أمام العالم؛ فتزخر كل منطقة بالمملكة مجمعاً، ببيت وسوق تجاري ومعدات وصناعات ومقتنيات وبضائع قديمة، وما تشتهر به كل منطقة من موروثها الثقافي والحضاري والعروض الشعبية وتقدم بذلك تعريفاً جميلاً لكل مرتادي هذا الحدث الرائع محلياً ودولياً عبر بوابة مفتاحها قرية متكاملة شمال شرقي الرياض عنوانها «الجنادرية»، وتضم الموروث الثقافي والمادي للإِنسان السعودي، والأدوات التي كان يستخدمها في بيئته منذ عقود، ليسلط المهرجان الضوء على 300 حرفة يدوية، يقدمها أكثر من 250 حرفياً يمثلون مختلف مناطق المملكة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي.
والقصة هنا تكمن في السعودية الجديدة بـ»رؤيتها التي يتبعها نجاح» وهذا الصرح الذي أصبح عليه هذا المهرجان الذي لم يتوقف عند فكرة البداية، بل يتطور كل عام في شكل جديد، فلم يكن له عنواناً يعبر عن مضمونه الأصيل، بل تبلورت الفكرة في دورته السادسة «مولد أمة»، وتنوعت العناوين بعدها لتجسدها أرض الجنادرية بصورة تجذب أنظار العالم، بعد أن كنا نتطلع إلى آثار أقوام أخرى بانبهار وحسرة، ظناً منا أن أرضنا قاحلة لا للحضارة عيش عليها، لتقتدر سعوديتنا محطمة صعابها، بما يحدث الآن على أرضنا من حراك ثقافي فني، يحرك أضغان نفوس جبلت على الاستئثار واحتكار كل شيء، حتى وصمونا بالبداوة إلى التخلف وعرب الجنوب، واليوم تشرق شموسنا في فضاءات الآخرين بالمناطق الأثرية والمدن الصغيرة التي حبانا بها الخالق، ويصيب قلوبهم بسهام الغيرة ونفوسهم بداء الحسد، فتمطر عقولهم أحقاداً وأحقاداً في كل مكان وزمان، ورغم ذلك تسير القافلة بقيادة حكيمة ورؤية رشيدة، وضعت المدن المنسية على الخريطة السياحية، وجعلت منها مادة إعلامية تفيض صوراً وأخباراً تنسج منها الحكايات التي تعيد إلى الأذهان مدن ألف ليلة وليلة الأسطورية، فأصبحنا نحتفي بتراثنا بعد أن كان عرضة للهدم والتدمير، لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح.
وقفة: لا ننكر أن لدينا فئة قليلة خائفة من التغيير في البنية الثقافية التي تجمدت في نمطية واحدة، وهذه سنة المجتمعات الحيوية ومؤشر صحي، وغير مؤثر في حراك تنمية الوعي بقيمة الوطن والانتماء له بحب وشغف، وصد الأقاويل والأكاذيب التي يروجها أعداء الوطن بالحب والعمل ولعل هاجسنا بأن ننقل ماضينا بفخر أساسه ديننا الذي هو عصمة أمرنا.