الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
حرم الإسلام التعدي على الآخرين، والنيل منهم بدون وجه حق، وأن قداسة الحرمة الشخصية للفرد في الإسلام مرعية ومحفوظة، ومن الخصال المذمومة التي حرمتها الشريعة الإسلامية نهش أعراض الناس وكراماتهم وحرماتهم وهم غائبون.
(الجزيرة) طرحت تلك القضية للنقاش لمعرفة كيفية الحد من تفشي الغيبة والنميمة، والطعن في الآخرين في زمن الإعلام والتواصل الاجتماعي، وذلك على عدد من المختصين في العلوم الشرعية والاجتماعية والتربوية وغيرهم. وكانت المحصلة على التالي:
ظاهرة مشاهدة
يقول الدكتور رياض بن حمد بن عبدالله العُمري أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن قضية استخدام الإساءة للآخرين من خلال وسائل التواصل الحديثة ظاهرة أصبحنا نشاهدها اليوم بشكل واضح وهي تعكس سلوكا سيئًا لدى أصحابها، ومن الأمور التي ينبغي مراعاتها لعلاج مثل هذه الظاهرة ما يلي:
1. ينبغي على كل مسلم أن يستشعر أنه محاسب على مكتوبه كما هو محاسب على منطوقه (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) بل إن المكتوب أعظم خطرا فهو باق ومستمر.
2. أن يستشعر الإنسان أن السب والشتم والوقوع في أعراض الآخرين لن يخدم أي قضية يريدها بل هو يفسدها ويطعن في صحتها لأنه أساء تقديمها وعرضها.
3. سلوك هذا المنهج يدل على إفلاس صاحبه علميًّا وأخلاقيا فهو يؤدي إلى إفلاسه دينيا كما جاء في حديث المفلس المشهور.
4. أن يستشعر المرء أن استخدام أسلوب الإساءة للآخرين يسقط صاحبه ويمنع الناس من قبول قوله ولو اعتذر وقال حقا فيما بعد لأنه أصبح مستهجنًا في نظرهم.
5. وختاما فقد قيل: من أمن العقوبة أساء الأدب. إن تفعيل الدور الرقابي على هؤلاء المسيئين في استخدام وسائل التواصل من الأمور التي تكبح جماح هذه التصرفات المسيئة وتؤدي إلى الحد منها فأعراض الآخرين والمقدسات الدينية وقضايا الأمن الوطني خطوط حمراء ينبغي أن لا يتم تجاوزها بأي حال من قبل هؤلاء العابثين.
أسوأ العادات
ويوضح الدكتور عبدالله بن صالح الحمود أستاذ علم الاجتماع أن الغيبة والنميمة كبيرتان من كبائر الذنوب، فالواجب الحذر من ذلك، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت حين أسري بي رجالاً لهم أظفار من نحاس، يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء، قيل له: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم، هم أهل الغيبة، والغيبة يقول صلى الله عليه وسلم: ذكرك أخاك بما يكره، هذه الغيبة.
والغيبة منكرة وكبيرة من كبائر الذنوب، والنميمة كذلك، يقول الله جل وعلا: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ .
مشدداً على أن الغيبة والنميمة يظلان من أسوأ العادات التي ابتلي بها بعض الناس حين يتداولون كلامًا فيما بينهم ويقصدون به أناس آخرون، وكلام يندر أن يكون في صالح أو ذو منفعة بما يتحدثون عن أحوالهم، فهذا النهج الذي أضحى سببًا في الفرقة الاجتماعية، من خلال ألسنة أحدثت بدع وأدميت أفئدة، بل قُرحت أكباد وأرحام تقطعت، وأوصال تحطمت وقلوب تفرقت، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل وصل الأمر إلى أن تسببت هذه الألسنة المؤذية إلى نزف دماء، وقُتل أبرياء، وعُذب مظلومون.
ولأنه انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر معرفات مجهولة أو شبه معروفة، ما تتناقله هذه المعرفات من سخط وغيبة ونميمة في الآخرين، بل ما يحز في النفس هو أن ما يثار أحيانا هو بين أفراد تربطهم علاقات اجتماعية أو صداقات سابقة، وعندما شاب هذه العلاقات ما شاب بدأت الأنفس الضعيفة تكيل بمكيالين للأسف.
فمن باب النصح، إنه من ابتلي بهذا الداء، أن يتوب إلى الله توبة نصوح من ذلك، وأن يتجنب مجالسة جلساء السوء ومن شابههم ممن يتحدثون بكلام في الآخرين، أو ينقل عنهم مالا فيهم.
تعزيز القيم
ويشير الدكتور خالد بن سليم الحربي أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة أم القرى أن الغيبة مرض اجتماعي تعاني منه الكثير من المجتمعات؛ ورأى أن الحد منه في هذا العصر عصر التغير الاجتماعي السريع، وعصر الإعلام الجديد وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والمتنوعة وسرعة تبادل المعلومات وانتشارها أمراً ليس من السهولة بمكان تحقيقه، ويمكن أن نحقق بعض النجاحات في ذلك من خلال عدة محاور: المحور الأول: وهو المحور الاجتماعي الذي يرتبط بتعزيز القيم الاجتماعية لدى أفراد المجتمع بشكل عام والشباب بشكل خاص، من خلال برنامج اجتماعي ثقافي يستهدف تعزير القيم الإيجابية والتأكيد على غرس القيم الاجتماعية الإيجابية من خلال المؤسسات الاجتماعية المختلفة مع ضرره تفعيل نظريات تغيير الاتجاهات، ونظرية الغرس الثقافي عبر وسائل الإعلام الجديد. مع التأكيد على ضرورة اهتمام النسق الأسرى بعمليات التنشئة الاجتماعية الإيجابية التي تدعو لتجنب القيم السلبية.
المحور الثاني: قانوني، وهذا الجانب موجود فالشريعة الإسلامية كفلت وصيانة المسلم، وجاءت الأنظمة والقوانين في المملكة العربية السعودية متوافقة مع الشريعة الإسلامية.حيث صدر نظام الجرائم المعلوماتية الذي يجرم من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي استخدامًا سلبيا بما في ذلك التشهير بالآخرين وقذفهم.
الإيذاء المباشر
وتستهل الأستاذة شيخة الحميدي الخبيرة عضو الجمعية الوطنية للتنمية، والعضو المؤسس لمشروع الرائدة للتدريب والاستشارات التربوية والإدارية حديثها بقوله تعالى: وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ،[3] وفي بيان سوء عاقبة ال نميمة قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (لا يدخل الجنة نمام)،[4] فإنّ جزاء النمّام الحرمان من النعيم والاطمئنان يوم القيامة، جزاءً على سوء فعله، وإيقاعه بين المسلمين في الدنيا، وهذا بيانها في الكتاب والسنه عظيم جداً، غير أن ما يترتب على سوء هذا الفعل من قطع العلاقات والأرحام وغيرها من الأمور الضارة في المجتمع من غير الضرر النفسي على الأشخاص المغتابين والمتضررين، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، ولا تُعَيِّرُوهُمْ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فإنه من تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ في جَوْفِ رَحْلِهِ». والأحاديث والآيات كثيرة التي عبر الإسلام عنها حفاظاً على المجتمع بشكل عام وخصوصية الفرد، لذلك دائما أقول: التربية هي أساس رقي المجتمع وتقدمه لذلك فلنسعى دائماً للوصول للأفضل من خلال التربية السليمة ذات الأسس الدينية والعادات المجتمعية الجميلة، مشيرة إلى أن الدولة شرعت قوانين وأنظمة الآن وأصبحت أكثر حفاظاً على حقوق الفرد، وعلى الرغم من أننا مجتمع مسلم ومن الحقوق الفردية التي كفلتها الشريعة الإسلامية هي خصوصية الفرد وعدم إيذائه بأي شكل من الأشكال قبل الشرائع الوضعية، هذه القوانين التي طبقتها الدولة الآن تحمل سجن وغرامات مالية من أفضل الوسائل التي حدت بشكل كبير من الإيذاء المباشر للفرد أو إيذائه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح الآن الفرد أكثر وعيًا وحتى لو كانت تنقصه بعض الأسس السليمة في التربية والدين أقل شيء أصبح لديه خوف من التعدي لمعرفته المسبقة بالأنظمة والقوانين التي أصبحت رادعًا له ولغيره، متمنية أن نكون مجتمعًا دائماً ذا رقي وتناغم في كافة أموره.
حرمة الاعتداء
وتؤكد الدكتورة سعاد بنت زيد الزيد مستشار التنمية البشرية والتدريب أنه تقع في هذه الأيام جرائم يعتدى فيها على الآمنين المطمئنين، ولو بحثنا عن أسباب هذه الجرائم لوجدناها تقع ضمن الأسباب التافهة، ومما يستدعي الوقوف عند هذه الظاهرة التي بدأت تتفشى شيئا فشيئا في المجتمعات.
لقد جاء الإسلام ليحافظ على الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسب؛ لأنه لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، ولا يستقيم نظام إلا بوجودها، فإذا اختلت هذه العناصر الأساسية اختلى حالة الأمة في الدنيا إلى فساد، وفي الآخرة إلى العقاب.
وجاء حفظ النفس وصون الحق في الحياة في الرتبة الثانية بعد حفظ الدين، وذلك لما لنفس الإنسان من حرمة، ولذلك شرع الإسلام كل ما من شأنه حفظ النفس من التلف، وحرم كل ما من شأنه إهلاكها وإتلافها، فشرع ما ينظم طريقة إيجادها، كما شرع ما يحفظ استمرارها ودوامها، ويأتي على رأس تلك التشريعات تحريم الاعتداء على النّفس البشرية التي كرمها الله تعالى، بأي صورة من صور الاعتداء، ابتداء من الاعتداء على كرامتها، وانتهاء بالاعتداء على حقها في الحياة.
وتشير د. سعاد الزيد أن حق الحياة للنفس البشرية مقدس عند الله تعالى، يستوي في ذلك المسلم وغير المسلم، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، والجميع بشر متساوون في استحقاق الحياة، ومن حق الإنسان أن يعيش حياة آمنة مطمئنة، ولهذا حرم الله الاعتداء على النفس.
والإسلام دين العدل والاعتدال، دين السلم والمسالمة، دين المحبة، والشريعة الإسلامية شديدة الحرص على توجيه سلوك الإنسان وأخلاقه، وحماية حياته من أي اعتداء، وتكفل عزته وكرامته.