زكية إبراهيم الحجي
لكل أمة تراثٌ تعتز به وتفتخر وتعتبره الجذر الذي يمتد في الماضي السحيق ليؤرخ ماضي الأمة وأمجادها العظيمة.. والحاضر ما هو إلا امتداد للماضي بكل ما يحمله.. لذا فهو يشكل سمة مميزة لكل أمة عن غيرها وعلامة فارقة لتاريخها وتراثها وموروثاتها الثقافية المتنوعة تتماهى فيه بكل فخر واعتزاز.. ولطالما كان التعامل مع التاريخ والتراث والموروث الثقافي جزءًا لا يتجزأ من الحاضر.. فالتواصل الزمني ما بين ما قيل أو رُسم.. كُتِب أو نُحِت أو بُني في الماضي وبين ما هو قائم أمام أعيننا اليوم.. ما هو إلا تواصل معرفي.. يجسد تجليات عبق التاريخ وما أنجِز فيه من معالم وصروح معمارية وروايات شعبية ومعارف تقليدية ووثائق وكتابات جدارية.. وكمٍ هائل من المخطوطات والكتب.. وبقدر ما تهب عليها رياح الحداثة فإن معينها سيبقى جارياً لا ينضب.
الدرعية وحي طريف.. العلا وما تحتضنها من معالم تاريخية كمدائن صالح.. الطنطورة الساعة الشمسية المنتصبة بشموخ وبشكل هندسي طبيعي يفوق تصميم أقدم ساعة في العصر الحديث ساعة لندن الشهيرة «بيغ بن» التي افتتحت عام 1859م.. قصر المصمك المعلم التراثي التاريخي في مدينة الرياض الذي يمثل مرحلة من مراحل تأسيس المملكة العربية السعودية.. الشويمس في حائل بمرتفعاتها التي تضم لوحات فنية نفذها فنان ذلك العصر بأسلوب غاية في الروعة والإتقان والتي في مجملها رسوم لأشكال حيوانية مختلفة نُحتت بطريقة تنم عن مهارة فائقة تثير الدهشة والإعجاب لا سيما أنها مصاحبة لنصوص كتابية يُقال بإنها من عهد ثمود.. حائل دار هامات الجبال تردده على صفحاتها نقوش الصخر.. حائل التي شبه الشاعر طرفة بن العبد أطلال ديارها وما يخالط أرضها من حجار وحصى براقة لامعة وكأنها لمعان بقايا الوشم في ظاهر كف المرأة التي يعشقها يقول الشاعر طرفة بن العبد:
لخولة أطلالٌ ببرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
بروضة دعميٍ فأكناف حائلٍ
ظللت بها أبكي وأبكي إلى الغدِ
كثير من المعالم التاريخية والكنوز التراثية منها ما اكتشف ومنها ما زال البحث عنها وجميعها شاهد على حضارة قديمة وتاريخ عريق لوطن يسابق الزمن لتحقيق ما يصبو إليه.. ولسوء حظي وحظ الجيل الذي أنتمي إليه أن المناهج الدراسية خاصة مادة التاريخ والجغرافيا والتي كنا ندرسها في مراحلنا الدراسية لم تشر أو تتحدث عنها بإسهاب مفصل مما أثار دهشتي بأن يكون وطني ينابيع من كنوز تراثية ومعالم تاريخية ولا نعرف عنها شيئاً.
اليوم وفي ظل الوعي بأهمية التراث بكل مكوناته وأبعاده التاريخية وبقيمته الإبداعية والجمالية في الثقافة الإنسانية وأنه مصدر جذب للزائر والسائح كونه من أهم العوامل المساعدة في دعم العلاقات الإنسانية بين الشعوب فإننا أحوج إلى تفعيل الدور الإعلامي الخارجي وبأغلب اللغات وذلك عبر قنوات تلفزيونية متخصصة في ذلك وتبث برامجها لجميع الدول لجذب السائحين والزوار ومسؤولية ذلك تقع على عاتق وزارة الإعلام والأمل معقود على وزيرها الجديد المشهود له بالخبرة الطويلة في مجال الإعلام فالتاريخ والتراث والموروث الثقافي من أهم بوابات الوطن أمام العالم.