وكيف تلذُّ طعم العيش نفسُ
غدت أترابها تحت التراب
فبينما كُنت منتظراً الإفادة عن خروج الأخت الكريمة طرفة بنت عبدالعزيز بن عبدالرحمن المشعل أم الدكتور عبدالعزيز بن حمد المشعل من المستشفى إذا بإحدى بُنياتي تعزيني فيها لعلمها بمكانتها الغالية لدي، فلم أملك في تلك اللحظة المحزنة جداً سوى تلاوة الآية الكريمة {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}..، والدعاء لها بالرحمة والمغفرة من رب العالمين، وإنزال السكينة والصبر على أسرتها ومحبيها..، حيث فرت روحها الطاهرة إلى بارئها قُبيل أذان صلاة ظهر يوم الثلاثاء 11-4-1440هـ بعد معاناه طويلة مع المرض، مأسوفاً على رحيلها وغيابها عن بنيها وبناتها ومحبيها، متذكراً أيامنا المتقادمة العهد أيام الطفولة الجميلة معها، ومع شقيقها محمد رفيق العمر وعبدالرحمن الذي يكبرنا سناً، -تغمدهم اللهً بواسع رحمته جميعاً- وقد أديت صلاة الميت عليها بجامع الملك خالد بأم الحمام بعد صلاة عصر يوم الأربعاء 12-4-1440هـ ثم ووري جثمانها الطاهر بمقبرة الدرعية (العودة) ولك أيها القارئ الكريم أن تتصور حال بنيها وهم يضعونها برفق في جدثها بنظرات متتابعات نظرات وداع مشحونة بالأسى والحزن العميق قبل غيابها واختفائها عن نواظرهم، مستحضرين هذا البيت المؤثر جداً:
خُذا الزاد يا عيني من نور وجهها
فما لكما فيه سوى اليوم منظرا
كان الله في عونهم وعون شقيقها عبدالله وشقيقتها هياء، ومما ضاعف حزنهم حين عودتهم إلى منزلها وقد خلا من شخصها مستحضرين معنى هذا البيت:
يعُز عليّ حين أدير عيني
أُفتش في مكانكِ لا أركا
وكانت ولادتها في حريملاء، فتربت تربية صالحة بين أحضان والديها ومع أخوتها، في ترف وتَنعم بفضل من الله وكرمه على والدها الذي يُعد من أثرياء حريملاء -آنذاك- وعند بلوغها سن السابعة من عمرها درست لدى إحدى معلمات القرآن الكريم حتى ختمته كاملاً، مع حفظ ما تيسر من قصار السور..، وكانت محبوبةً لدى زميلاتها وبنات مجتمعها وأقاربها..، -رحمها الله رحمة واسعة- كما أن والدتها التي هي بمنزلة الخالة لنا -ابنة عم لوالدتنا- ظل التواصل والتآلف بينهن منذ نعومة أضفارهن حتى فرّق بينهن شَعُوب هادم اللذات ومفرق الجماعات:
تعزّ فلا ألفين بالعيش مُتّعاً
ولكن لورّاد المنون تتابعا
وعندما اقترنت بزميلنا وحبيبنا الشيخ حمد بن إبراهيم المشعل -رحمهما الله- رزقهما الله ذرية صالحة بررة، بنين وبنات، فقاما بتربيتهم تربية صالحة مُتحلين بالأخلاق الفاضلة، ومُسلّحين بسلاح العلم النافع والمستويات العالية، والآداب الحسنة، وكانت محبة للبذل في أوجه البر والإحسان، ومحبة للأطفال، والعطف على الأرامل والأيتام، وكثيرًا ما تؤم البيت الحرام من حين لآخر، والطواف حول الكعبة المشرفة، والبذل السخي على الفقراء هناك، راجية المثوبة من رب العباد عند لقائه، فقد لاقته بنفس مطمئنة راضية، وفي أثناء مرضها الأخير كان أبناؤها وبناتها ملازمين لها حين انتقلت إلى دار النعيم المقيم -بمشيئة الله ورحمته- ولئن توارت وغابت عنا أم عبدالعزيز، فإن ذكرياتنا الجميلة معها باقية لا يمحوها ماحٍ في طوايا النفس مدى العمر:
لعمرك ما وارى التراب فِعالها
ولكنما وارى ثياباً وأعظماً
تغمد الله الفقيدة بواسع رحمته ومغفرته، وألهم أبناءها الدكتور عبدالعزيز, والدكتور عبدالله والأستاذ عمر وبناتها وأخاها عبدالله، وشقيقتها هيا أم د. عمران بن عبدالرحمن العمراني، ومحبيها الصبر والسلوان.
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف