عبدالعزيز السماري
تنتشر ظاهرة التنمر وتسلط الإنسان على أخيه الإنسان في مختلف المجتمعات، لكن الوعي بها وإطلاق القوانين التي تحكمها هو الفارق بين المجتمع المتحضر والبدائي، ووفقًا لأحدث الأبحاث العلمية، فإن شخصًا واحدًا من بين كل اثنين يعاني من التنمر في مرحلة ما قبل العشرين.
ولا يمكن تصور مدى الصعوبة التي يمكن أن يمر بها الضحية، خاصة إذا كنت لا تفهم تمامًا نفسية البلطجي، وهي مساحة مجهولة في المجتمعات الشرقية، حيث ما زال التسلط أو التنمر يحكم كثيراً من علاقات المجتمع، بل قد يكون أحد سبل التواصل فيما بينهم، وهو ما يعني ضرورة مزيد من الضوء على هذا العنف غير المرئي..
يتطلع أولئك الذين يتسلطون على الآخرين إلى الحصول على شعور بالقوة والسيطرة، وفي غياب القانون يكون سلاحه الذي يشق من خلاله الصفوف للوصول إلى أهدافه، فما عليه إلا أن يقتل منافسيه أو أصدقائه أو أفراد عائلته معنوياً من أجل إحكام السيطرة من خلال وسيلة إخضاعهم من خلال التنمر والتسلط.
ونتيجة لذلك، يعمل الضحايا على تغيير أو إخفاء طموحاتهم وسماتهم لتجنب التنمر، فيقومون بتغيير شيء ما في أشكالهم أو لغة أجسادهم أو خطابهم، وهو ما يؤدي إلى تغيير كامل في نفسياتهم، فيتحولون إلى كائنات مهزومة من الداخل، ولديها الاستعداد لتقبل مزيد من التسلط والتنمر.
في دراسة حديثة تم إخضاع 8850 شخصًا لدراسة عن التنمر، وطُلب منهم أولاً تحديد التنمر ثم تمت مسائلتهم فيما إذا كانوا، بناءً على تعريفهم الخاص، قد قاموا بتخويف أي شخص، فاعترف 14 % من العينة الإجمالية، أي 1239 شخصًا، بأنهم سبق وأن تنمروا على آخرين، وكانت السمة السائدة بين المتنمرين هي تدني احترام الذات، فهم يلجأون للتسلط إذا تعرضوا لنقد أو حرج أمام الآخرين، ولذلك يشهرون سلاح التسلط من أجل إسكات الآخرين من التعبير عن نقدهم أو إحراجهم للمتنمر..
كانت أشهر حالات التنمر السياسية ما تعرضت له السيدة هيلاري كلينتون في الانتخابات الأمريكية الأخيرة لأنها أنثى، فقد انتشرت في وسائل الإعلام أصوات ينفون بشدة أي اشمئزاز، أو حتى انزعاج من أن قائدنا القادم والرئيس قد يكون أنثى، وبدلا من ذلك، كانوا يزعمون أن كراهيتهم لهيلاري لا علاقة لها لكونها أنثى، وأن ما يتعلق بها هو كم هي فظيعة وفاسدة وشريرة..
يظهر البحث العلمي أن أولئك الذين عانوا من البلطجة في ماضيهم، هم أكثر عرضة مرتين للضغط على الآخرين وممارسة التنمر والتسلط، وربما تعرضوا للتخويف كأطفال في الماضي، أو ربما يتعرضون للتخويف الآن، وغالبًا ما يتم استخدامه كآلية للدفاع عن النفس، ويميل الأشخاص إلى الاعتقاد أنه من خلال التنمر على الآخرين، سيصبحون محصنين ضد تعرضهم للمضايقة، بينما في الواقع، هي مجرد حلقة مفرغة من السلوكيات السلبية..
في الشرق لا تزال قياسات مستويات التنمر والتسلط في وضع المجهول، إذ لا توجد دراسات علمية دقيقة عن مدى انتشاره في الحياة العامة، لكنه من خلال قراءة عامة وبسبب غياب تطبيقات القانون وتشرح سلوكيات التسلط، يكاد انتشاره أن يحكم علاقات الإنسان بأخيه الإنسان..
فالعنف والتسلط أحد أهم وسائل التواصل التي تهيمن إذا غابت القوانين والدراسات التي تكشف سلوك التسلط والاعتداء على الآخرين، ولكي تحمي أبناءك من ذلك عليك بتوعيتهم مبكراً عن هذا السلوك السلبي، على أن تبدأ مقاومته من المنزل، فالضغط على الأبناء وتخويفهم وتهديدهم هو أول خطوات تنامي مشاعر العنف والتسلط بينهم وبين المجتمع.