د. عبدالرحمن الشلاش
الكتابة عن التعليم لها مذاق متفرد بالنسبة لي. همومه وشجونه وتطلعات المجتمع لمخرجاته ومشكلاته وتجاربه وعثراته. هذا المذاق نابع من كوني أحد أبنائه. ترعرعت في مؤسساته منذ كنت طالبًا إلى أن وصلت لسدة التعليم الجامعي أستاذًا وعميد كلية. نهلت من معين خبرات تلك المؤسسات التعليمية التي قضيت فيها شطرًا من حياتي العلمية والعملية فتكون لدي رؤية خاصة بي أقيس بها مدى التقدم والتأخر في العملية التعليمية في وطننا الغالي.
ما زلت أرى أن تعليمنا لن يتقدم قيد أنملة وهو يطرح لطلابه وطالباته مناهج معلبة تحيد فكرهم وتعزلهم عن الحراك العلمي العالمي عندما يتلقون معلوماته ليحفظوها عن ظهر قلب دون فهم ووعي ثم يستظهرونها يوم الاختبار وينسونها فور تسليمهم لأوراق الإجابة وخروجهم من القاعة. تعليم لا يزال ينظر للمعلم على أنه محور العملية التعليمية في حين يحصر دور الطالب بتلقي المعرفة من المعلم وما يشرحه لطلابه من كتب تعليمية معدة, بل إن الأمور وصلت لدرجة أن بعض المعلمين يقومون بحل المسائل للطلاب ويطالبونهم بحفظ الخطوات ليتمكنوا يوم الاختبار من النسخ ثم اللصق كل هذا يحدث والطلاب يتعلمون بلا فهم ويتخرجون بلا مهارات.
إلى اليوم ما يجري في فصول التعليم العام وقاعات التعليم العالي عمليات تعليم تعتمد على التلقين ولا علاقة لها بالتعلم, وتعتمد على الكم لا الكيف. تكاد تخلو من أي أنشطة تتحدى تفكير الطلبة وتضعهم في مواقف التفكير المستمرة, أما أغلب المعلمين فلا يعرف أساسًا ما مهارات التفكير, ولا كيفية وضع الطالب في موقف تفكير عميق يقوده لإنتاج أفكار خلاقة مبدعة تصنع منه عقلا فعالا لا عقلية تبعية.
الهدف أننا نريد لطلابنا تعلما لا تعليما حيث يتحول الطالب إلى محور للعملية التعليمية يتعلم بنفسه ويبحث عن المعرفة وتنمية مهاراته معتمدًا على ما لديه من أدوات ومنها مهارات التفكير مع تقليل تدخل المعلم ليتحول دوره إلى مشرف وموجه لعمليات التعلم بدلا من دوره التلقيني التعليمي وليس التعلمي الحالي. هذا التوجه جميل لكنه يحتاج لعمل كبير ومضني يقتضي التركيز على تغيير البيئة المدرسية لتتحول لبيئة جاذبة مساعدة على التعلم غنية بوفرة مصادرها, وتمكين الطلاب والطالبات وقبلهم المعلمين والمعلمات من مهارات التفكير, وبناء المناهج على هذا الأساس السليم مع تنويع طرق التدريس وإعادة تصميم الاختبارات على أساس طرح مشكلات ليترك المجال أمام الطلاب للتفكير بها وإيجاد الحلول المناسبة.
التعلم يقتضي أن يتولى الطالب زمام المبادرة في عمليات التعلم الذاتي أو في إطار توجيهات المعلمين, لذا مطلوب من وزير التعليم الجديد وفريقه تحويل كل البرامج لعمليات التعلم وليس التعليم فهنا تكمن الجودة.