د. محمد عبدالله العوين
كان المهرجان في بداية انطلاقته وإلى ما قبل سنوات قليلة فرصة سنوية عظيمة لتغذية برامج الإذاعة والتلفزيون بلقاءات طويلة أو قصيرة مع أبرز نجوم الضيوف من الأدباء والمثقفين المدعوين من داخل المملكة ومن الوطن العربي والعالم.
لا يمكن أن ينسى جيل الثمانينيات الميلادية والعقدين الأولين من هذا القرن الهجري ذلك الحراك المحفوف بالبهجة في قاعات فندق قصر الرياض، حيث اللقاءات الجانبية بين الأدباء السعوديين والضيوف من شتى أقطار الوطن العربي، وحيث تزدحم الصالات في البهو بالجلسات العامرة بالنقاش في كل الأوقات، لكن أطولها وأثراها وأمتعها تلك التي تكتمل وتعتمر بعد انتهاء برامج المهرجان في ختام كل يوم وبعد تناول طعام العشاء قرب العاشرة مساء فيبدأ التوافد وتتكتل المجموعات كل حسب اهتماماته ومعارفه، يلتف جمع من شباب الأدباء والإعلاميين السعوديين في جلسة نقاش تحتد وتهدأ وتتقاطع فيها الأصوات مع أنيس منصور أو نجم عبد الكريم أو يوسف إدريس أو عبد الوهاب البياتي أو عزيز ضياء أو أحمد الشيباني أو محمد عمارة أو محمد العروسي المطوي أو محمد عزيز الحبابي أو عز الدين إسماعيل أو علي جعفر العلاق أو زكريا تامر أو عبد الله الطيب أو فاروق شوشة أو أحمد هيكل أو شفيق الحوت وغيرهم ممن قد لا تحضرني أسماؤهم الآن، تجد في البهو حضوراً بهياً للأدباء السعوديين على اختلاف أجيالهم متداخلين في تلك الجلسات العامرة التي تمتد إلى آخر الليل، ولا تطيب لبعضهم النقاشات إلا بعد أن يهدأ ضجيج الفندق من الداخلين والخارجين ونداءات لاقط الصوت في مكتب علاقات الحرس الوطني الذي يعنى براحة الضيوف، ولذلك لا تكتمل وتسخن الجلسات الثقافية الحرة في البهو إلا بعد الحادية عشرة، ولتعددها وتنوّعها وكثرة الحاضرين من مناطق المملكة كافة ومن الضيوف العرب تصيبني الحيرة أين أجلس وفي أية حلقة ومع من؟ هذه حلقة يغلب عليها الهدوء والأناة في النقاش، وتلك صاخبة ضاجة، وهذه مزدحمة لن تجد لك كرسياً فارغاً إلا أن تعتلي بنصف جسدك على طرف المقعد الوثير ونصفك الثاني متدل على الأرض، زحام وأكواب شاي تدور لا تتوقف وحديث يتصاعد ويتقاطع حيناً بحدة أو ينساب عذباً برقة، وكأن الزائر للبهو لا يدخل إلى نزل لضيوف؛ بل إلى حديقة غنَّاء وارفة من المعارف والآداب والشعر والقصص والحكايات وتبادل الكتب والعناوين والتقاط الصور.
أما غرف الفندق فهي أيضاً عامرة بلقاءات الإذاعة مع الضيوف، ويا طالما تسابقنا على تحديد المواعيد مع الضيوف المميزين الذين نثري بهم برامجنا لأكثر من دورة إذاعية.
كنا نتزاحم ونتنافس على اصطياد النجوم، وعلى سبيل المثال كنت أسجل حلقات دورة كاملة من برنامج «مراجعات ثقافية» للقناة الأولى الذي كانت تنتجه مكتبة الملك عبد العزيز العامة من 1421- 1427هـ.
واليوم أين حضور الإذاعة والتلفزيون مع ضيوف المهرجان البارزين؟! لمَ يأتي ويعود أربعمائة ضيف من شتى أقطار الوطن العربي ومن مناطق المملكة دون أن يغتنم الإعلام فرصة حضورهم؟!