م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. المطلع على الشأن المجتمعي السعودي يجد أن الحكومة هي الصانع الحقيقي للمجتمع الحديث بكل مكوناته وخلال كل مراحله.. فقد فرضت التعليم فرضاً بعد مرحلة التوحيد رغم استرابة الناس من ذلك وأن له مقاصد أخرى.. ثم تعاملت مع المجتمع من موقع الأب الحامي والأم الرؤوم.. فرعت المواطن اقتصادياً وتعليمياً وصحياً وترفيهياً حتى أصبحت نسبة النمو السكاني للمجتمع السعودي من أعلى النسب في العالم.
2. وفرت الدولة الحماية والرعاية إلى درجة أن المجتمع بكليته أصبح اعتمادياً على الحكومة بشكل كامل.. وأصبحت السمة العامة للدولة السعودية الحديثة أنها دولة ريعية لمجتمع يتكل على الحكومة في كل شؤون حياته.. مما قولب المجتمع وأصبح نموه موجهاً وليس عفوياً.
3. الذي يلي الحكومة زمنياً في التأثير على المجتمع هو الاستقدام الكبير الذي بدأ إبان الطفرة الاقتصادية الأولى وسط السبعينيات الميلادية من القرن الماضي.. فقد تعرّف السعوديون على مختلف شعوب الأرض بلغات وأديان وثقافات ومناطق ومستويات مختلفة.. بدأت قبل ذلك بالمدرسين العرب في المدارس خلال الستينيات.. ثم غطت كل مجالات العمل في بلد ذي اقتصاد عملاق ومساحة جغرافية شاسعة وتعداد سكاني لا يكفي وغير جاهز لإدارة حركة اقتصاد هائلة.. فكان الاحتكاك بهؤلاء القادمين في أعلى درجاته في المدارس والمكاتب والأحياء والمساجد والأسواق.
4. كانت إحدى خطوات الدولة للتحديث ابتعاث أكثر من مائة ألف طالب إلى كافة دول العالم للدراسة الجامعية والعليا.. وبدأ توافدهم مع مطلع الثمانينيات الميلادية، حيث كان لهم دور مهم في دفع عجلة التنمية.. بل إنهم قادوا مع زملائهم خريجي الجامعات السعودية مفاصل التنمية في التسعينيات وما بعدها.. وبحكم تعليمهم ومواقعهم الوظيفية فقد كان ينتظر منهم أن يكون لهم دور تنويري في المجتمع.. لكن الذي حدث (كما يقول عبدالعزيز الخضر في كتابه «السعودية سيرة دولة ومجتمع») أن هؤلاء النخب انضووا تحت جناح المجتمع وتطبّعوا بطباعه.. وأصبحوا جزءاً من ذلك المجتمع المصنوع حكومياً الذي لا يزال يعيش ثقافة القبيلة.. فنخبوية التعليم والوظيفة لم تؤثِّرا في ثقافة الفرد وسلوكياته.
5. أيضاً فإن القدرة الشرائية العالية التي تهيأت للمجتمع السعودي آنذاك.. إضافة إلى درجة الحرارة التي تلامس الخمسين درجة مئوية صيفاً شكَّلا الدافع الأكبر في اتجاه الفرد والعائلة السعودية للسفر والسياحة في مختلف بقاع الأرض وبشكل مدهش.. بكثافة واستمرارية لا يكاد ينافسهم فيها أي مجتمع آخر.