محمد سليمان العنقري
لم ينتهِ عام 2018 م إلا بمزيد من الهبوط بعد التقلبات الحادة في الأسواق المالية العالمية وأسواق النفط على مدار العام. ويمكن أن يسمى العام الماضي بعام الاضطرابات والمفاجآت التي انعكست في نهاية المطاف بتصحيح كبير، طال أسواق المال الأمريكية والنفط الذي فقد أكثر من 30 % من أعلى أسعار وصل لها عند (نحو 85 دولارًا لخام برنت)؛ ليهبط إلى 50 دولارًا كأقل سعر وصل له قبل أيام عدة من نهاية العام الفائت. وما حدث في الأسواق العالمية من تراجعات حادة، وكذلك أسواق السلع وانهيارات بعملات بعض الاقتصادات الناشئة، لا بد أن له تبعات متلاحقة في العام الحالي 2019 م. فنظرة المستثمرين هي لما ستكون عليه الأوضاع والحالة العامة لبيئة الاستثمار، وأين ستتجه الأموال، وخصوصًا أن العالم يدخل عامه الحالي الجديد وكثير من الملفات لم تحسم، كحروب الشرق الأوسط، وكذلك الحرب التجارية بين أمريكا وأهم شركائها التجاريين، وخصوصًا الصين، إضافة إلى النمط الجديد بتعاطي بعض الدول الكبرى بعلاقاتها مع العالم، وحالة الحمائية المستشرية، وعنوان سياسات تلك الدول الذي بات «دولتي أولاً».
إن تفاصيل المشهد العالمي معقدة؛ ولذلك فإن التوقعات لآثار ما تم بالعام الماضي على عامنا الجديد تدعو كلها لعدم التفاؤل من حيث الصورة العامة، لكن هذا العام في الواقع سيكون «عام التسويات» على الأصعدة كافة؛ فالرئيسان الأمريكي والصيني يقودان مفاوضات بلديهما للتوصل لاتفاق تجاري مناسب. وتبدو المحادثات إيجابية حسب إعلان الرئيس ترامب مؤخرًا؛ فالدولتان لديهما كامل المصلحة لحل هذا النزاع. كما أن مجموعة العشرين دعت إلى إصلاح نظام التجارة العالمية، كما أن أوضاع اقتصاد الدول الكبرى (أمريكا تحديدًا) جيدة، وكذلك تشهد العديد من الدول الكبرى بوادر تحسن باقتصاداتها، إضافة إلى اقتراب التسويات السياسية في الشرق الأوسط؛ وهو ما سيمهد الطريق للدخول في مرحلة إعادة الإعمار لدول مثل اليمن والعراق وليبيا وسوريا؛ وهو ما سينشط اقتصاد المنطقة، وينتقل بها لمرحلة استقرار بتدرج حتى تصل لمرحلة استقرار كامل.
لا شيء يبدو ميسرًا ويسيرًا في اقتصاد العالم، ومنطقتنا تحديدًا، لكن من الواضح أن كل ما حدث من توترات ومواجهات على الأصعدة كافة يقود في النهاية إلى تحقيق توازن، يضمن مصالح الجميع، ودعم لعودة النمو لاقتصاد العالم، واستقرار بأسواقه.. فهذا على الأقل ما يبدو أن كل الدول الكبرى تسعى له؛ لأن عدم الوصول لتفاهمات وإنهاء لكل أو جُل تلك الملفات الضخمة سيعني تصعيد المواجهات؛ لتكون حروبًا عسكرية طاحنة، وهو الاحتمال الأضعف لسيناريو بديل عن التفاهم والاتفاق على الحلول والتسويات.. فلا أحد يمكن أن يتحمل خوض حروب مدمرة، لكنه يبقى احتمالاً قائمًا مهما كانت نسبته ضعيفة.