عروبة المنيف
إن قرار وزارة التعليم المتضمن إدراج مادتي «الإملاء والخط» من ضمن المناهج للفصل الدراسي القادم، من القرارات الرائدة التي نادى بها المعلمون والتربويون منذ زمن. ولقد كان لغياب تلك المادتين عن الصفوف الدراسية أثر سلبي على المستوى المعرفي اللغوي للنشء. فقد تدنى المستوى التعليمي للكتابة الإملائية مصحوبة برداءة في الخط، والتي قد تمت ملاحظتها بشكل صارخ بعد وصول الطلبة والطالبات إلى المرحلة الجامعية، ما يشكل تهديداً لمستوى تمكين النشء من مادة اللغة العربية، ويهدد بالتالي الإرث الفكري والحضاري للغة القرآن الحكيم.
ترتبط مادة الإملاء بالخط، فالكتابة الصحيحة ترتبط بالخط الواضح سهل القراءة والفهم، وإتقان الكتابة بطريقة إملائية صحيحة وبخط جميل يعكس في الغالب مهارة الطالب والطالبة وسلامة ذوقهم، ذلك الإتقان هو دافع قوي يسهم في تنمية الرغبة في القراءة والاطلاع. ولقد عايشت بصفة شخصية المستوى الضعيف في الخط والإملاء للبعض من طالبات الجامعة، وواجهت صعوبة لا يستهان بها في محاولة لفك الطلاسم التي يكتبنها عندما أقوم بتصحيح أوراق الامتحانات، إلى الدرجة التي أضطر، «حتى لا أظلم الطالبة» في عملية التصحيح، إلى أن أستدعيها لمكتبي لتفك لي الطلاسم التي دونتها على ورقة الإجابة، وتقرأ إجاباتها بنفسها!..
توصلت العديد من الدراسات إلى أن إتقان مهارة «الإملاء والخط» لها فوائد عديدة. فقد بينت إحداها على وجود علاقه تفاعلية بين القلم والفكرة، «والقلم وما يسطرون». فممارسة الكتابة بخط اليد له دور في تنشيط مراكز بالدماغ ترتبط بالتفكير، ما يعمل على إظهار الفكرة بشكل أسرع من ممارسة الطباعة باستخدام لوحة المفاتيح، وذلك يدعم ويؤكد أهمية الكتابة والخط في عملية التطور الإدراكي، والتشجيع على ممارسة الكتابة بالقلم في زمن تسيطر فيه لوحة المفاتيح على أصابع الطلاب والطالبات!. دراسة أخرى توصلت إلى أن تعلم الخط يعتبر من الأدوات المهمة في تدريب العقل على عملية «التخصص الوظيفي»، فعندما يتعلم الطفل أن يكتب ويخط الأحرف بشكل متتابع وثابت ومتكرر، تتداخل لديه الحواس الحركية والفكرية فتتحسن مقدرته البصرية والتفاعلية تبعاً لذلك. ونضيف أيضاً المقاصد التربوية لتعلم مادتي الخط والإملاء والتي تتضمن تنمية الثروة اللغوية للطلاب والطالبات من خلال التشجيع على القراءة والاطلاع، وتحسين مهارات حياتية لديهم كالتأني والترتيب والتنسيق والتنظيم والدقة والانتباه والصبر.
إن قرار عودة مادتي «الإملاء والخط» إلى مقاعد الدراسة يستدعي من القائمين على تطوير التعليم مستقبلاً، التمحيص وإطالة التفكير وبعد النظر عند اتخاذ أي قرارات لها علاقة بعملية تمكين النشء من لغتهم الأم. ومن أجل رفع مستوى الحماس والرغبة لدى الطلاب والطالبات في الإقبال على مادتي «الإملاء والخط» وخصوصاً في الصفوف الدنيا، ينبغي تدريب معلمي ومعلمات اللغة العربية على تبني أسلوب تربوي ترغيبي يهدف إلى جلب انتباه النشء لهاتين المادتين وزرعهما في قلوبهم قبل عقولهم. ولقد كان للأغنية التي نشرتها وزارة التعليم لتدشين الخبر وعنوانها «حيوا اليوم كتابنا الجديد، أهلاً بالإملاء والخط الفريد» وقعاً جميلاً على متلقي الخبر، وعلى الأخص الطلاب والطالبات الصغار. فهنيئاً لجيل الرؤية جيل 2030 وأهلاً بالمواهب الواعدة وبجيل فتي من القراء والمثقفين.