عبد الاله بن سعود السعدون
مع بداية مرحلة تكليف السيد عادل عبدالمهدي لتشكيل وزارته الأولى إعلانه مبشراً الشعب العراقي بشكل جديد لوزارته مرتكزاً على الكفاءات العلمية من الشخصيات المستقلة والبعيدة عن الحزبية المشتركة بالعملية السياسية وأعضاء البرلمان الحالي، وقد أعلن ولأول مرة في العالم نافذة إلكترونية باسمه لاستقبال السير الذاتية للمواطنين العراقيين الراغبين في تشكيلته الوزارية الجديدة، ومع التوافق السياسي بين الكتلتين الأكبر البناء والإصلاح لتقديم المرشحين المشاركين في تقسيم الحقائب الوزارية بين الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، وعاد السيد عبدالمهدي مضطراً إلى نظام المحاصصة الحزبية لتقسيم الحقائب الوزارية بين الأحزاب والكتل السياسية ليتسنى لتشكيلته الوزارية بنيل الثقة من البرلمان العراقي.. وتبلور الدهاء الإيراني بصهر الكتلة السنية العربية المسماة المحور الوطني ضمن كتلة البناء الموالية للنظام الإيراني والتي استحوذت على معظم الحقائب الوزارية وما زالت مصرة على منصبي وزيري الداخلية والدفاع بعد معارضة كتلة سائرون لترشيح السيد فالح الفياض لوزارة الداخلية والمدعوم إيرانياً، وتم عرقلة عملية التصويت على مرشح كتلة «الوطنية» بزعامة إياد علاوي لوزارة الدفاع الفريق الركن فيصل فنر الجربا ممثلاً للعسكريين المستقلين ومن ذوي الكفاءة العسكرية العالية وشغل مناصب مهمة في مجال الأمن الوطني والعسكري، إلا أن كتلة البناء الصديقة لإيران عرقلت التصويت على تمريره بجلسة البرلمان لنيل الثقة وترشيح شخصية جديدة من صفوف كتلة المحور الوطني المنطوية تحت تكتل البناء الكونة من الحشد الشعبي وبعض الأحزاب الصديقة للنظام الإيراني. وتشكل وزارة العدل أيضاً عقبة جديدة أمام السيد عبدالمهدي لاختلاف الأحزاب الكردية على مرشح واحد لهذه الوزارة التي خصصت للمكون الكردي حسب نظام المحاصصة السياسية.
قوبلت التشكيلة الوزارية الجديدة بعقبات صعبة وتميزت بصراعات سياسية متعددة وضعت السيد عبدالمهدي في ظروف محرجة نتيجة الضغوط الإقليمية والدولية الممثلة بالرغبات الإيرانية والأمريكية بدعم شخصيات وكتل مرشحة في تشكيلته الوزارية. وتأتي الوزارات السيادية الكبرى الداخلية والدفاع عقبة مزمنة والتمسك بأسماء بذاتها عرقلة لاكتمال الوزارة الجديدة والتي تميزت أيضاً بطول مدة تشكيلها، ومررت بطريقة التقسيط غير المريح، ففي الجلسة الأولى للبرلمان للتصويت على تشكيلة وزارة عبدالمهدي في أكتوبر الماضي تم نيل الثقة على أربع عشرة حقيبة وزارية من أصل اثنين وعشرين مرشحاً وزارياً، وفي المرحلة الثانية تم التوافق السياسي بين الكتل الحزبية بتمرير ثلاث وزارات من التشكيل الوزاري وتأجيل التصويت على خمس وزارات، واستمر ماراثون التصويت البرلماني على منح الثقة المجزأة لوزارة عبدالمهدي بالتصويت بالموافقة على وزارتين خدميتين وبقيت العقبة الكبرى في الوزارات السيادية المهمة الثلاث العدل والدفاع والداخلية نتيجة الصراع الظاهر بين كتلتي :سائرون» بزعامة الصدر و»الفتح» بزعامة العامري، وبالتحديد على مرشح وزارة الداخلية السيد فالح الفياض، وتم التوافق على عرض اسمه للتصويت عليه من عدمه في الجلسة القادمة للبرلمان العراقي.
تنتظر الحكومة الجديدة عواصف داخلية وإقليمية ودولية شديدة تقيد حركتها وتشتت اتجاهات بوصلتها الوطنية، أولها تداعيات الحصار الأمريكي على النظام الإيراني ونتائجه على الوضع الاقتصادي والسياسي وتأثيره أيضاً على أصحاب القرار السياسي في بغداد ومجملهم من الموالين للنظام الإيراني علاوة على اعتماد العراق على الاستيراد من إيران لمعظم مصادر الطاقة والمنتجات الزراعية بمبالغ تتعدى الخمسة عشر مليار دولار، ولن تسمح طهران بإحلال الجوار العربي مكانها المتنفذ سياسياً واقتصادياً والمعتمد على قوة الحكومة الموازية والمتنفذة في مراكز السلطة في جميع أنحاء العراق والتي أثر تشكيل الحشد الشعبي بكل مؤسساته العسكرية المرتبطة بالتوجيه الإيراني بأمرة الجنرال سليماني ومساعده أبو مهدي المهندس رجل إيران الخفي في السلطة العراقية، كل هذه الظروف المقيدة لأي قرار إصلاحي يخدم أبناء الشعب العراقي والذي ينتظر التغيير والإصلاح من توفير الخدمات الأساسية في مجال الخدمة الصحية والتعليمية وتوفير الماء الصالح للشرب ومعه الطاقة الكهربائية والتي طال انتظارها لأكثر من عصر ونصف دون توفيرها على مدار اليوم الكامل مع الإسراف في تمويل هذه الصناعة المهامة بأكثر من خمسين مليار دولار تخللها الشك العميق بالفساد المالي. المواطن العراقي نفد صبره من العملية السياسية والأحزاب المذهبية طيلة خمسة عشر عاماً والوضع يتدرج للوراء دون أي منجز حققته الحكومات السابقة والتي اتصفت بسرقة المال العام والفوضى الإدارية بحشو المنظومة الإدارية للحكومة بأفواج من المنتمين والمؤيدين للأحزاب الطائفية مشكلين سلسلة طويلة من البطالة المقنعة.يعيش العراق الآن ضمن منطقة ملتهبة وخطرة أثر تداعيات الانسحاب الأمريكي من سوريا وزحفها وانتشارها في المنطقة الشمالية الغربية من العراق وتأثير ذلك على الوضع الأمني للدولة بكاملها ولابد من التعامل مع هذا الحدث المفاجئ المهم بكل حكمة وذكاء استناداً على مصلحة الشعب العراقي أولاً والنأي بالنفس عن كل انحياز لجهة خارج حدود الدولة العراقية لضمان وضع آمن من كل العمليات العسكرية التي من المنتظر اندلاعها من إسرائيل على سوريا والتواجد الإيراني فيها كما قد يتعدى خط النار اتساعًا ليصل داخل الجغرافية الإيرانية، كما جاء بتهديد نتانياهو الأخير بضرب كل القوى العسكرية الإيرانية داخل سوريا وخارجها إثر الانسحاب الأمريكي من سوريا وإفساحالمجال البري والجوي للصواريخ الإسرائيلية لقواعد حزب الله والمليشيات الإيرانية في القطر العربي السوري.. الأيام القليلة القادمة ستشهد تحركاً أمريكياً سريعاً في التمركز العسكري داخل قواعد جديدة في الجهة الغربية من العراق لمحاربة الإرهاب كما هو معلن غطاءً لهدفها الأساسي السيطرة على المنطقة بتطويق إيران وإنهاء وجودها في العراق وسوريا بإنشاء قواعد عديدة ومساندة القوات الإسرائيلية لضرب الوجود العسكري الإيراني في سوريا وقطع الطريق عن أي إمداد عسكري أو لوجستي إيراني لوجودها العسكري في سوريا.. قد تكون سنة 2019م سنة الحسم للنفوذ الإيراني في المنطقة الإقليمية.