رمضان جريدي العنزي
عائلات كثيرة دفعت الثمن غاليًا، أسر تشتت، وأبناء ضاعوا، ومستقبل انهدم، نتيجة «هياط» مزيف، لمسرحيات هزلية، وأفعال عابثة، زوجات بريئات رحن ضحية عمل بليد، وعادة قبيحة، ودفعن الثمن باهظًا، نتيجة فعل قاصر من أزواج غير مبالين بعواقب الأمور أخذتهم العزة بالأثم، أما لإثبات كرم مزيف، أو نتيجة نقاش تحول لصراع، أو لمجرد تحدٍ بغيض، حالات جمة نابعة من جهل مركب، وقصور معرفي بأن أبغض الحلال عند الله الطلاق، أن التلاعب بهذه الكلمة جدًا خطير وعمل وخيم، منافٍ للدين والخلق والرجولة والمسؤولية. إن الذين يرتكبون تلك الحماقة لا يدركون فداحة تلك اليمين المغلظة وما يترتب عليها من تفكيك وتشريد وضياع للأسرة بكاملها وهدم مستقبلها، لا يجب أن يكون الطلاق خيارًا متاحًا يلجأ إليه «المهايطون» لأعمالهم المزيفة، أبدًا لا يجب أن يكون، لأننا لا نريد نشءًا مهزومًا ومكسورًا نتيجة فعل أهوج لرجل طائش يمارس التهور، إن هناك قصصًا خيالية قد لا يصدقها العقل والحال والمنطق، نسمع عنها ونشاهدها في مقاطع مصورة تنم عن جهل مطبق، وفعل أرعن وأخرق لمرتكبها، لقد بعثروا أسرهم لمجرد الاختباء في ظلال رضاء الآخرين، ولإبراز أنفسهم والارتقاء بها على حساب العلاقة الزوجية المقدسة، لا بد أن نضع أيدينا على الجرح العميق الذي ما زال ينزف في مجتمعنا نتيجة أعمال بهلوانية يفعلها مهروجون في سيرك الهياط الكبير، إن من أشد الحالات وأسوئها قسوة وأكثفها دمارًا في مجتمعنا هو ما يفعلة هؤلاء اللامسؤولين من التلفظ بهذه الكلمة المغلظة على كل كبيرة وصغيرة، وكل شاردة وواردة، وفي كل التعاملات اليومية، نسمعها في مكاتب العمل، في الاستراحات، في المقاهي، مع صاحب التاكسي، وصاحب البقالة والمطعم، وصاحب الفول والمخبز، ومحطة الوقود، والصاحب القريب، والصاحب الجنب. إنني لا أجد تفسيرًا مقنعًا لهذا السلوك المشين، ولا أجد أدنى شهامة ورجولة فيمن يتفوهون بهذه الكلمة ويرددونها دائمًا وكأنهم يمضغون علكة، أو يمتصون حلوى، أو يتلذذون بشرب فنجان قهوة. المدهش والعجيب في الأمر أن هؤلاء المهايطين بعد أن يفعلون فعلتهم في التفوه بالطلاق، وبعد أن يقع الفأس على الرأس، يذهبون بعجل للشيوخ ولدار الإفتاء سائلين عن الحكم الشرعي في هذه الحالة!، وهل يقع الطلاق؟ أو هل هناك كفارة لذلك؟ إن سلبية هؤلاء قد وصلت أبناءهم، فقد حدثني معلم في أحد المراحل الابتدائية، أن لديه طالبًا صغيرًا دعاميله لوجبة معه فأبى الطالب الآخر، فما كان من الطالب الصغير إلا أن قال لزميله «عليَّ الطلاق» «علي الحرام» أن تأكل، لقد وصلت هذه السلبية المقيتة إلى أن تنتقل من الآباء الكبار للأبناء الصغار!، جميل جدًا أن نزرع في أبنائنا معاني الشهامة والكرم وحسن الخلق وتقديم الآخر على النفس، لكن يجب أن يكون ذلك وفق تعاليم ديننا الحنيف، وبعيدًا عن الأيمان الفاسدة، والمباهاة الزائفة، وألا نجعل الله عز وجل دائمًا عرضة لأيماننا، أن كل شخص يجعل كلمة الطلاق على لسانة لأدنى وأتفه سبب، أو يجعلها مزيجًا من السخرية والفخر والشعور بالزهو والتعالي والتباهي الفارغ، لا يستحق أن يكون زوجًا، كونه يعبث بهذه الكلمة وكأنها نكتة سخيفة، أو حكاية عابرة، أو قصة مبتورة، أن من يمارس هذه العادة غير حصيف ولا حاذق ولا رزين ولا رصين، وغير لبيب ولا متعقل، يقتات على هذه الكلمة المغلظة، وفق صوت عالٍ، وتشنج جسد، وحركات مفتعلة لا فتة، وحالة لا وعي بائنة، وطلاسم مفردات وخيمة. إن أفضل المروءة استبقاء الرجل لماء وجهه، ولا أظن استبقاء القدر والكرامة والشهامة والنبل حصري متوقف على رمي الطلاق على زوجة بريئة لا ذنب لها إلا أن نصيبها كان مع رجل بلا عقل ولا حكمة ولا بُعد نظر. إن الهياط بالطلاق له تأثيره الشرعي الخطير، وفاعله جهول عجول، أحمق نزق، ليس عنده تأنٍ، وليس في عقله رجاحة، إنني آمل من العلماء الأجلاء، والخطباء الأفاضل على منابر الجمعة، وأصحاب الرأي القويم السديد والمثقفين ووجهاء المجتمع، أن يتحدثوا بهذا الأمر الجلل، وبينوا خطورته جسامته وفداحته، لكي يتوقف هذا المسلسل الباعث للخيبة والكمد والأسى، وعلى الذين يرددون هذه السيمفونية الصاخبة أن يخشوا الله ويتقوه، وأن يدركوا خطورة هذه الكلمة التي تخرج من أفواههم، وألا يستهينوا بها، وعليهم أن يتحرروا من دائرة العبث بهذه المفردة المغلظة، ويتجردوا من هذه العادة المذمومة للأبد، ولكي يستبرؤا لدينهم وعرضهم، عليهم أن يتجنبوا ترديد هذه الكلمة على ألسنتهم حتى يعيشوا مطمئنين معيشة يرضاها الله سبحانه وتعالى، بعيدًا عن دوائر الحرام شبهاته وشوائبه.