أمل بنت فهد
نهاية عام، وبداية آخر، ليست بشيء إن كانت لتعداد الأماني، أو الشعور باقتراب النهاية، ماذا يعني أن يكبر العالم سنة!
الحقيقة أنك لا تملك إلا هذه اللحظة، لحظة قراءة المقال، عند هذه الثانية تحديداً، فما قبلها ذهب دون رجعة، وما بعدها لن تعرف عنه شيئاً، لذا حدثني عن العوائق التي سمحت بها وأخذتها معك يوماً بعد يوم، لظنك أنها تمنعك، حدثني عن مخاوفك التي لا تزال تتهرب منها ولم تعلن عليها المواجهة وتتمرد، حدثني عن أمر لا تطيقه ولا تزال تعيش في قاعه، حدثني عن انطلاقتك المؤجلة نحو الجديد، هكذا يمكنك أن تقيس العمر إن أردت مقياساً يعنيك، أما تعداد الأيام والأشهر والسنين، فإنها لا تهمك، ألم تلاحظ يوماً أن فلان من الناس بنفس عمر آخر، لكن بينهما من الصحة والانتعاش والشباب المتجدد مسيرة فلكية، كأن ما بينهما أجيال!
هل سألت نفسك عن السبب؟ لماذا يعاني البعض شيخوخة مبكرة، بينما البعض يعيش في حضن الشباب ولا يفارقه!
قد يكون ما بقي لك من الحياة دقيقة، وقد تكون سنوات طويلة، وسترحل وحدك، وتُنسى كأن لم تكن، فلماذا في حياتك تُصر على انتظار رأي ليس برأيك؟ لماذا تشتكي من وضع ولا تخرج منه؟ لماذا تبقى مع إنسان لم تعد تشعر به! ولا يشعر بك! متى آخر مرة فعلت أمراً لأنك تريده فعلاً؟ من أعماقك الأبعد، وكم من الرغبات دفنتها في سرك! وتحاكيها حين تكون وحدك، تنادمها كخيال ولا تجرؤ على مقابلتها واقعاً.
إن ما يذبح شباب الإنسان مخاوفه، وحرمانه، وإذعانه، ولهثه خلف أمور لا يدري لماذا يركض خلفها، وما تشابه الأماني حين تسأل إلا دليل على أنها أماني ولدت بالصدفة، أو الاعتياد، إنها أماني وجدت الجميع يريدها فأردتها، وإلا فإن سعادة كل إنسان تختلف في أسبابها عن سعادة آخر، الذي يسعد سينًا من الناس، قد يكون مجرد هامش لدى صاد من البشر، مثلها مثل البصمات، لا تتطابق، ولو تطابقت الأماني وأسباب السعادة، لكانت سعادة البشر جمعية وسهلة وممكنة، لكنها ليست متشابهة، ولا متطابقة.
لذا ابحث عميقاً بداخلك، أعمق مما تعودت، ابحث عن الأمور التي حين تفعلها فأنت تعيش نشوة تعرفها وحدك، ابحث عن الرغبات المؤجلة، فإنها الأخطر، حققها، لأنها بالتأجيل تفقد شهية التحقق، وتفقد معها قدرتك على الإحساس، لذا يحدث أن تسمع من يقول: كأن الألوان لون واحد، ولا فرق بين طعم وآخر، وكل الوجوه دون ملامح وتفرد، ذاك الإنسان أجل رغباته كثيراً، حتى أفقدته الإحساس بالفرق، احمِ نفسك من صيام الرغبات، لا تطل عليها الانتظار، افعلها فإنها تضخ فيك الحياة.
أنت بشر تحتاج أن تحب وتُحب، تحتاج أن تحتوي أحدهم، تحتاج أن تعيد لحواسك قدرتها على التقاط أدق وألطف ذبذبات المشاعر الإنسانية الأجمل.
حين تفعلها يمكنك أن تقول لنفسك كل عام وأنا حي، كل عام وأنا بخير.