فوزية الجار الله
تلويحة حب.. لأجل كتاب أكثر خلوداً/ ثانياً
مذ عرفت نفسي وأنا عاشقة للقراءة وللكتاب، أبحث عنه أينما كان واستكين أمامه كيفما كانت الظروف..
في طفولتي - قبل ظهور الإنترنت بزمن طويل- وربما لقلة ما نجده من مطبوعات جديدة كنت أبتهج وأحتفل لو وجدت قصاصة من صحيفة أو مجلة تمزقت بفعل الزمن أو بفعل يد طفولية عابثة..
في بداياتي الكتابية المصحوبة بالنشر وجدت نفسي مغرمة بقراءة لكثير من الكتاب بما فيهم «طه حسين» بدءاً رائعته « الأيام» التي تم تحويلها إلى فيلم بعنوان «قاهر الظلام» مروراً بروايته «دعاء الكروان» التي تم تحويلها أيضاً إلى فيلم من بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر -رحمهم الله جميعاً- إلى كتب أخرى، أتذكر أنني تصفحت بعضاً من مجلدات أعماله الكاملة واستمتعت بقراءتها، حديثي هذا يأتي ضمن الكتب الخالدة أو الكتّاب الخالدين والزمن وحده هو المحك، لكن فيما يبدو أن رواية «دعاء الكروان» باقية لعقود من الزمن وكذلك كتاب « الأيام» الذي هو عبارة عن سيرة ذاتية لطه حسين.
تتميز كتابات طه حسين بالجدية، أما أسلوبه فيغلب عليه الإطناب والإسهاب والاستغراق في الوصف..
عدت إلى تصفح واحد من مجلدات أعماله الكاملة والتقطت منها مقالاً بعنوان «حب».. يتحدث فيه ذاكراً أبياتاً للبحتري يقول فيها:
«لجّ هذا الحبيب في الهجر جدا
وأعاد الصدودَ منه وأبدى
ذو فنون يريك في كلِّ حالٍ
خلقاً من جفائهِ مستجدا
اغتدى راضياً وقد بتُّ غضبان
وأمسي مولى وأصبح عبدا
ويعلق قائلاً: (وربما كان أخص ما يمتاز به الحب أنه صلة بين طرفين أحدهما يدِلّ ويتيه والآخر يذل ويستكين، أحدهما يتحكم ويتجنى والآخر يتوسل ويتمنى)..
وهكذا يستغرق الكاتب في الشرح والتفصيل حتى يقول: (يخيل إلى أن بين فريق من ساستنا وبين فريق من الإنجليز حباً ليس أقل خطراً ولا أيسر أثراً من هذا الحب الذي تغناه البحتري وتغناه غيره من الشعراء في كل مكان وفي كل جيل).. ويقول أيضاً: فمن المصريين قوم لا يصبرون على هجر الإنجليز وإنما يجدون في هذا الهجر العذاب كل العذاب والتباب كل التباب، تظلم له حياتهم إظلاماً حتى يضيقوا بالحياة وتضيق الحياة بهم..
يتحدث طه حسن عما تم نشره عن زيارة قريبة للسيد بيجن للقاء الأحباء وإمضاء لمعاهدة، وأعتقد أن المقصود هنا هو «مناحيم بيجن»..
(وقد قيل لهم إن الحبيب مزمعٌ رحلةَ بعيدة وراء المحيط، فقال قائلهم فلنسرع إليه قبل أن يرتحل، وعنى مغنيهم قول العاشق العربي القديم:
ألمّا بميّ قبل أن تطرح النوى
بها مطرحاً أو قبل بين يزيلها
فإلاّ يكن إلا تمنّعُ ساعةٍ
قليلٍ فإني نافعٌ لي قليلها)