عبده الأسمري
ترتب المملكة مواعيدها الثقافية على أسوار وطني الحبيب فمن الجنادرية في وسط العاصمة الرياض إلى جدة ومعرض كتابها السنوي مرورًا بمحافل ثقافية متنوعة في أنديتنا الأدبية وصوالين الأدب وأمسيات الشعر والرواية والقصة..
في خضم ذلك تبقى الثقافة وسم الرقي الأول الذي يميز الشعوب.. وسط براويز تحدد الصورة الثقافية التي يجب أن تكون تذكارًا ننافس به الغير؛ سواء في محافلنا الثقافية أو ثورة إنتاجنا الأدبي الذي آن الأوان لأن يكون حاضرًا ناضرًا في عقر أوروبا وفي دور المشرق والمغرب.
الثقافة الأصيلة تظل شاهدة لنا في ظل ثقافة تنافسية عالية المستوى في أفريقيا والشام وقاهرة المعز والمغرب العربي وما يصل من تراجم لإنتاج أدبي فاخر له خاصية «الانفراد» والقادم من أوروبا بتوقيع تلامذة فلاسفة القرن الماضي الذين رحلوا ولكنهم استطاعوا أن تظل أرواحهم حاضرة في فكر فلسفي ونقدي فريد المخرجات، بعد أن التزم تلامذتهم بوصايا الثورة الفكرية الجامعة بين أصول الأدب وفصول التغيير الحياتي وسط تحويل الثقافة إلى أداة أولى لتشريح هموم المجتمع وصوت مكتوب لحياة البشر واختصار وانتصار لقضايا الناس.
في ظل هذا الاقتدار الذي انتهجه المثقفون العظماء تم صناعة الاعتبار في منتجات تبتعد عن «التلميع الذاتي» و»المجد الشخصي» وصولاً إلى تجسيد الحالة السلوكية والمصير الاجتماعي للبشر في قالب أعمال أدبية تقرأ وتحلل وتفهم وتلخص وتكتب في أوراق الآخرين كمناهج وكوصفات عيش وصفات تعامل.
نسمع كثيراً عن مسمى «الاعتبارية» التي يجب أن تطال «المنتجات الأدبية» التي تلامس عقول الناس وحياتهم وسلوكهم وعيشهم وهمومهم وأوضاعهم ومطالبهم، وهذا الذي سيصعد بها إلى مستوى «الاعتبار» حتى نرى جامعات العالم وجهاته الأرض الأربعة تبحث بيننا عن «ضالة فكرية» أو «كنز أدبي» لترجمته وإيصاله إلى أصقاع الدنيا بلغة الإبداع والإمتاع.
كي نصنع ثقافتنا الأبدية العميقة يجب أن نلغي من قواميسنا «عبارات المجاملة» وأن نزيل من عقولنا «آراء المديح» وأن نفرض «النقد الثقافي» كميزان حتمي وشرط أول لتقييم إنتاجنا الأدبي مع أهمية أن تكون لدينا «جهات نقدية» تشرع المقاييس الدراسية الثقافية وتضع الخطوط الثابتة للتقييم من أجل خلق منافسة حقيقية بعيداً عن نتاج أدبي يعتمد على الكم ويستند على محافل التوقيع وتلميع الذات وشخصنة الثقافة.
يجب أن تكون الثقافة مشروعاً تنموياً وإنسانياً ووطنياً يرتبط بكل اتجاهات الحياة لدينا لا بد أن تحول «الكتب» إلى هدايا مفضلة في محافل التكريم ابتداء من صفوف المدرسة الأولى وانتهاء بحفلات التقاعد الأخيرة، وأرى أن تكون القراءة والثقافة منشطاً أول يرفع درجات طلاب التعليم العام ويدخل في تقييم السلوك والمواظبة بعيداً عن درجات مجانية تعطى للطلاب دون عمل حقيقي.
ومن الضروري أن تظل «الكتب» وسائل ترفيه تقتل ساعات الانتظار في المطارات، ومن المهم أن تنشئ القطاعات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني قاعات مصغرة ومواقع للاستقبال تزينها الكتب وتبروزها المنتجات الأدبية المنتقاة حتى يتم امتصاص ثورة الشكاوي وحتى تخف وطأة الجلوس الفارغ في انتظار الإجراءات وعلى القطاعات الخاصة من مستشفيات وبنوك وحتى المواقع التجارية أن تجعل الكتاب جزءًا من مسؤوليتها الاجتماعية في تثقيف الآخرين عندها فقط ستقل مواجع البيروقراطية، وتخف ثورة الفوضى وتزول سوءات الشك في ارتقاء تلك القطاعات واهتمامها بالعميل.
كي نصل بثقافتنا إلى الاعتبار علينا أن نجعل الثقافة جزءًا من التربية النفسية والاجتماعية والأسرية، فكلما ارتفعت الثقافة زاد الوعي، وكلما ارتقت معرفة الأجيال ازداد الرقي في المعاملات والمنجزات؛ سواء على المستوى الشخصي أو الدراسي أو العملي.
ما بين الاقتدار والاعتبار تحتاج ثقافتنا إلى إعادة صياغة بدءًا من مقاعد الدراسة الأولى وحتى آخر لحظات الحياة.. لذا يجب أن تتم المواءمة بين الإنتاج وما يحشد له من نقد ووضع الخطط الكفيلة بتوظيف أهمية الأدب والثقافة والمعرفة في سلوكياتنا ومسالكنا.