رجاء العتيبي
الوعي والفكر والمنطق أن تكون مواقعنا التراثية مهوى السياح، ولا يمكن أن تفكر بهذه الطريقة ما لم تكن لديك قناعة تامة بأهمية التراث كمنطلق وطني وهوية وذاكرة. إذا ما تجاوزنا ذلك إلى اتجاهات أممية - كما هو الخطاب المتطرف - نكون كمن ضيع مشيته ومشية من يريد أن يصل إليه؛ فالتطرف لا يأتي بخير.
التراث والآثار والمواقع السياحية قادرة على أن تنقلنا باتجاه حضاري، يتفاعل مع الآخرين بإيجابية، ونصنع منها ثروة وطنية، سواء على المستوى الثقافي، أو على المستوى الاقتصادي، أو حتى على مستوى التواصل مع الشعوب. ويتأكد ذلك عندما نعرف أن المملكة دولة تعمل من أجل الإنسان. هذا نحن مهما قال خصومنا غير ذلك.
الخطوات الأخيرة التي بدأتها وزارة الثقافة في شتاء طنطورة بالعلا تسير في اتجاه يعزز موقفنا الإنساني كتراث، كسياحة، كتقارب مع الشعوب. هذا يمكن أن يحصل إذا كانت هناك رؤية يسير الجميع باتجاهها، ويؤكدها قيادات ملهمة، تعرف ماذا تفعل؛ فالمشهد التي صدحت فيه ماجدة الرومي كان لصداه بين جبال العلا وَقْع لا يُنسى، وتجربة ثرية، يرويها الأجيال.
الوطن يعمل وفق رؤية واحدة، ولا مجال لتجزئتها. فإذا حلت ماجدة الرومي بتاريخها الثقافي ضيفة علينا تكون محل ترحيب الكل، ومَن يحمل وجهة نظر تبقى في حدود وجهة النظر، ولا تتعدى ذلك لتفرضها حكمًا قاطعًا يخالف السياسة الخارجية للدولة، وحينها لا تبقى وجهة نظر؛ تكون شيئًا آخر، يحتاج إلى وقفة حازمة.
الثقافة ليست مجالاً واحدًا، ولا اثنين، ولا ثلاثة، ولا تخضع لعمليات انتقائية، ولا تحيا مع الحزبية، ولا تستجيب للأفكار الموجهة، إنها نفس وحياة ونبض قلب؛ لهذا لا ينجح معها إلا جيل يقدرها حق قدرها. ومع القيادة الجديدة للثقافة نرى شيئًا من ذلك، وبوضوح.
نحن موعودون بتشكلات ثقافية جديدة، تتوافق مع المرحلة. ربما تظهر كيانات ثقافية جديدة، وتختفي أخرى. قد يأخذ ذلك وقتًا ليس بالبعيد، ولكنه قادم لا محالة كعصر ثقافي منافس في ظل تراجع العواصم الثقافية العربية. والعمل بهدوء وروية نتائجه تدوم أطول.
الأنظمة والتشريعات إداريًّا وماليًّا واقتصاديًّا ربما تتغير جذريًّا؛ ليعمل الجميع وفق قوانين يعرفونها جيدًا، وتتساوى الفرص، وينشط العمل الاقتصادي؛ لتدور عجلة الثقافة والفنون بسهولة وتلقائية واستدامة. وزارة الثقافة تسير باتجاهات صحيحة. كل المؤشرات تقول ذلك.