رمضان جريدي العنزي
مقاييس العلم والعمل هي مقاييس المجتمع القوي، لا مقاييس النسب واللون والفوقية والتعالي، الأحنف بن قيس كان قصير القامة، أسمر اللون، أحنف الأنف، فيه عرج، وذقنه مائل، غائر العينين، ووجنتاه بارزتان، وله من القبح النصيب الأوفر، ومع ذلك كان سيد قومه، إذا غضب غضب قومه لغضبه، وإذا رضى رضوا، لا يسألونه عن سبب غضبه، ولا عن سبب رضاه، ولا يشرب الماء الذي يعلم بأنه يفسد مروءته، عندما جاء الإسلام عمل على إصلاح البين، والمساواة بين أفراده من دون استثناء ولا تميز ولا تفرقة، رافضاً العنصرية والعرقية والطبيقة والتميز، ومتحداَ مع الإِنسان بشكل كامل وبحت، ما عاشر نبينا صلى الله عليه وسلم أحداً من الناس إلا وهو يظن أنه أقرب الناس إليه، يوم خرج النبي عليه الصلاة والسلام من قباء باتجاه المدينة وقف الأنصار داراً بعد دار، عشيرة بعد عشيرة، يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل بهم فكان يقول لهم: دعوها، أيّ ناقته، فإنها مأمورة، لو نزل بأيّ مكان، بأيّ بيت، بأيّ عشيرة، بأيّ قوم ميزهم بلا مرجح، وجعل الطرف الآخر أصغر من هؤلاء الذين نزل عندهم، حتى بركت عند المربد، وفي ذلك احترام للجميع وإصرار على عدم التمييز بينهم، وإذا كان نزوله في دار أبي أيوب الأنصاري فليس في ذلك إحراج أو تمييز، لأن داره أقرب دار لمبرك الناقة، أعتقد اليونانيون أنهم شعب مختار، خلقوا من عناصر تختلف عن العناصر التي خلقت منها الشعوب الأخرى، وكان الرومان يعتقدون كما يعتقد اليونان أنهم سادة العالم، وأن غيرهم برابرة خدم لهم، وكانت قوانينهم تقر الرق، وتعامل الرقيق على أنه متاع، مدعين أن استعباده رحمة به من القتل الذي تتعرض له الحيوانات، أما العرب في الجاهلية فقد كانوا يعيشون على التفاخر بالأحساب والأنساب، ويعتقدون أنهم أفضل من غيرهم الذين يطلقون عليهم اسم العجم، ولعل ذلك كان أساسه اعتزاز العربي بلغته الفصيحة التي لا يوجد لها مثيل في العالم وكانوا بناء على ذلك يكرهون أن يتلوث دمهم العربي النقي بدم غيرهم عن طريق الزواج والتصاهر، النازية الألمانية مثلاً ارتكبت الكثير من الجرائم، وهي تحارب من أجل فكرة التصنيف البشري، وأحقية أَتْباعها بسيادة البشر، فقد وضعت العرق الآري الجرماني في قمة الهرم، متبوعًا بالأعراق القريبة منه في النسب مثل: البريطانيين، وشعوب الفيكينغ القاطنة في أوروبا الشمالية، ووضعت الغجر واليهود والروس في أسفل السلم، وادعىليهود بأنهم شعب الله المختار، وما زال شعور التعالي والتعصب العنصري موجوداً لديهم حتى الآن، حينما تعامل الناس بطريقة فيها استعلاء، وفيها فوقية، وفيها غطرسة، وفيها غرور، فأنت بعيد عن الإِنسانية وعدو للإِنسان، عندما جاءالإسلام ألغى جميع الفروق، ورفض الطبيقة، وهدم العنصرية، وأزاح التميز، ونادى بالمساواة دون تفرقة، ورسخ القيم الإِنسانية، والتعاملات الجمعية، والمصاهرات بناء على الخلق والدين، أن الإسلام في صلب رسالته القوية وطهرها الأخاذ أبان أن البشرية جمعاء من أصل واحد وأن لا فرق بين بني آدم الذين كرمهم الله وأنهم لا يتفاضلون إلا بالتقوى والعمل الصالح، أن عقدة الأفضليّة العِرقيّة أو الفوقية التي يدعي البعض امتلاكها، لا تنتج سوى الصراعات والتخلف، وتفضي إلى سلوكيات غير سوية يمقتها العقل والمنطق، إنّ الادعاء بالاصطفاء والخيرية وامتلاك الامتياز يؤسس لحياة قائمة على الطبقتين الذهنية والواقعية بكافة صورهما، إنَّ تبنِّي هذه العقدة سواء من الأفراد أو الجماعات يُلحق الأذى بهم أولاً، ثم بالمجتمعات من حولهم ثانيًا، إنه يمثل الخروج من جنة التنوع والتفاعل مع بقية البشر في ظل الأخوة الإِنسانية الجامعة، إلى نار العنصرية والأنانية المقيتة، التي لم تسجل نجاحًا واحدًا في تاريخ البشر، فكل المشاريع الضيّقة انتهت بالسوء في نهاية المطاف، أو احترقت بنيران الكراهية في منتصف الطريق، قال نيلسون مانديلا: « لا يوجد إِنسان ولد يكره إِنساناً آخرا بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه، الناس تعلمت الكراهية وإذا كان بالإمكان تعليمهم الكراهية إذا بإمكاننا تعليمهم الحب، خاصة أن الحب أقرب لقلب الإِنسان من الكراهية».