أ.د.عثمان بن صالح العامر
من أصعب الأشياء في حياة الناس تعديل السلوك الذي اعتادت عليه النفس، خاصة إذا ألفه مقترفه، واستقر عليه حاله سنوات طويلة من عمره.. فمع أن الأصل فيه الذم والقدح شرعًا وعرفًا وعقلاً إلا أنها العادة وعدم الاكتراث والاهتمام واللامبالاة.
من بين هذه السلوكيات السلبية التي كثر الحديث عنها، وقامت حملات توعوية من أجل تغييرها، «نظافة الأودية والشعاب من مخلفات الرحلات البرية، شبابية كانت أو عائلية»، بل تعدى الأمر إلى قيام فرق تطوعية لتنظيف أماكن بعينها طمعًا في تحقق التمتع بجمال الطبيعة التي حباها الله هذه المنطقة الجميلة لكل متنزه، سواء أكان قاطنًا أو زائرًا.
اليوم أكتب مقالي هذا وأنا في أحد هذه الأماكن الرائعة جنوب مدينة حائل «سد البار» بعد أن أسرني بصدق نظافة المكان وروعته؛ فأستمتع بما رأته عيني، وسر خاطري، وأفرحني كما أفرح وسيفرح غيري من رواد هذا المكان، مع أنه قبل أشهر معدودة كان من بين الأودية التي يبكي عليها محبو الطبيعة وعشاق الجمال.
لا أقول هذا الكلام مجاملة ومحاباة، ولا أسوق هنا كلمات الشكر للجميع حتى نركن إلى الدعة، ونعود إلى ما كان عليه من حال، بل من أجل أن نعرف أن ما بُذل من جهد إرشادي وتوجيهي، وكذلك الحملات الميدانية التي نظمها (أصدقاء البيئة)، وشارك فيها متطوعون من جميع الفئات وكل الأعمار، لم تذهب سدى، بل كان لها أثرها الملموس في المكان، والإنسان؛ فصار الناس يُحضرون معهم أكياس جمع النفايات، ويجمعون البقايا، وينظفون المكان قبل أن يغادروه، ثم يضعون ما جمعوا في أقرب مكان مخصص من قِبل الأمانة لرمي هذه المخلفات.
ليس ما مضى وانقضى أوصلنا إلى نقطة النهاية، بل هي بداية جيدة، وانطلاقة موفقة، لا بد أن نستمر عليها حتى يصبح الشعور بأن البر هو بيتك الذي تسكنه، وتحرص على نظافته، وعنوانك الذي سيُروى عنك في كل مدينة وقرية، ويُنقل، الذي ولد سلوكًا إيجابيًّا لدى شريحة عريضة في المجتمع الحائلي في تعاملهم مع الطبيعة حولهم. أقول: لا بد أن نستمر حتى يصبح الشعور والسلوك الإيجابي هذا ديدن الجميع، وسمة الكل.. حينها سنسجل عن مدينة حائل ما احتفظنا به سنوات تصرمت من أنها أجمل وأنظف مدينة، ليس في شوارعها وطرقها المرصوفة فحسب، بل في برها وصحرائها، نفودها وهضابها، أوديتها وجبالها.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن من الاقتراحات التي أسوقها هنا أن تكون هناك حملة شاملة ومتكاملة، تصاحب انطلاقة رالي حائل، وتستمر بعد انتهائه أسبوعًا كاملاً لتنظيف ما قد تخلفه المخيمات والتجمعات من بقايا ونفايات، لها أثرها السلبي في المكان الذي يكسوه الجمال مع واجب الاعتراف بالجميل والشكر الجزيل للجهود التي تُبذل من قِبل الجهات المختصة في هذا الباب، ولكن لا بد من تعاون الجميع؛ فهي مكان استراحة الكل، وأنس الجميع، وملك العامة.. إجازة سعيدة. وإلى لقاء. والسلام.