بهيرة الحلبي
يقول أحد الحكماء: «من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه»، ويقول آخر بما معناه، إذا كان الكذب سينجيك لمدد قصيرة فإن الصدق سينجيك مدداً أطول مستديمة، ولكن قد تضطر يوماً ما للولوج إلى عالم الكذب الأبيض من أجل حماية أسرة من التفكك وإنقاذ مراهق من الضياع، وتقويم سلوك طفل من الانحراف، وقد تستعين بالكذب أحياناً لمخادعة عدو يتربص لك، فتوقع به الهزيمة وتنتصر عليه في الحروب، فلا بأس هنا أن تحتال على الكلمات وتنطق بأقوى العبارات، أما أن تكذب باستمرار وتشهد بالزور وتضر بمصلحة الناس، فهذا ممنوع في كل الأعراف والقوانين .
يكذب المرء حينما يكون جاهلاً في أهمية محاكاة الواقع، وحين يلهث وراء منفعة شخصية، وحين يفقد الوازع الديني الرادع، وحين تموت عنده القيم، فيستسهل الأراجيف والافتراءات. وقد يكذب الطفل حين يشعر بالنقص والإهمال أو عندما يدافع عن نفسه استرضاء للأهل واتقاء للعقوبة والتأنيب.
أطفالنا، الذين يعوّل عليهم في قادم الأيام، يجب أن نؤسسهم جيداً على سلامة القول وحفظ اللسان ولا نسهل عليهم استمراء الكذب والمبالغة فيه، وينبغي أن نعاملهم بالرفق واللين ونوسع مداركهم بين الخيال والحقيقة، ونعزز ثقتهم بأنفسهم فيما يقولونه وما يفعلونه، وما ينتظرهم من مستقبل مشرف إن هم صدقوا ما عاهدوا عليه.
وفوق كل هذا وذاك، يبقى الأهل هم الأنموذج الأمثل الذي يقلده الطفل، وتبقى قصص الأنبياء وما بث الله فيها من عبر ومواعظ هي خير ما ينصت لها ويهتدي بنهجها.
علينا أن لا نتخذ من الكذب وسيلة ومن التضليل مادة، نطلُّ بها على عالم آمن بما لديه من إمكانات، دخل التاريخ لأنه أنجز، فاز بفردوس الدنيا لأنه اشتغل، حسنّ من أدائه وطوَّر مجتمعه، ولم ينشغل أبداً بمذاهب الآخرين ومعتقداتهم، وإدخال من لا يروقون له ويختلفون عنه، نار جهنم وبئس المصير.