كوثر الأربش
قال الأديب عبدالرحمن منيف، مرة: «كلما ازدادت رواياتنا محلية، كلما أصبحت عالمية، بمعنى آخر كلماتنا أقرب إلى الصدق في تصوير الجو المحلي، وكلما كنت أعمق في حياة الناس حتى لو كانوا مجموعات صغيرة، كلما أصبحت أقرب للعالمية».
قال هذا متحدثا وناقداً للأدب المحلي، و لكنني أرى أن الجنادرية فعلت ذلك بنجاح مبهر. إن سر انجذاب الناس للجنادرية هو تمثيلها للتراث المحلي القديم والمتأصل في الذاكرة.
إنك حين تذهب هناك، تشعر أن الذكريات القديمة التي سرق منها الزمن ألوانها، تتمثل أمامك حية، نابضة، كما لو كانت بعثت للحياة من جديد. بيوتنا الطينية القديمة، أدواتنا البدائية، الحرف والملابس بل وحتى الرقصات والموسيقى.
حين تتجول هناك، تغالب دموعك أكثر من مرة، إنني أراهن على ذلك. لكنها دموع حنين ممزوجة بالفخر، الفخر بأننا وخلال فترة وجيزة من حياة الشعوب قفزنا للتحضير والتمدن الذي ينمو ويرتقي على سلم الزمن.
ليس هذا وحسب، بل حتى من لم يعش حياتنا، أعني الزوار الأجانب والغربيين والعرب. يغمرهم شعورًا جميلاً وآسرًا بالأصالة. هكذا طبيعة الإنسان، وشغفه الدائم بمعرفة الآخر، كيف كان يعيش؟ وما هو ماضيه، وكيف جرت الأمور قبل أن نذوب كلنا في موجة التقدم التي جعلتنا متشابهين للغاية. هكذا قال لي بعض الضيوف الذين قدموا للسعودية من أجل مهرجان الجنادرية.
وصلني هذا الأسبوع مشهد لأطفال يرقصون الرقصة الغربية الشهيرة ذا فلوس - the floss على منصة في الجنادرية!
ولا أدري هل هي بتنظيم القائمين على المهرجان، أم تصرف فردي من الحضور الكريم. لكن في كلتا الحالتين، تقع علينا مسؤولية الحفاظ على وجه الجنادرية المعتق والأصيل. أقولها بكل شفافية، لسنا ضد الرقصات الحديثة، الرقص في النهاية والبداية فن بشري جميل. لكن ما أريد قوله هنا، إننا لسنا بحاجة للرقصات الجديدة، ولا للمظاهر الحداثية في الجنادرية. لأننا سنفقد محليتنا، وحسب منيف، سنفقد بعدها الانطلاق للعالمية.
إنني لا أدعو للرجوع للخلف، لكن لندع الجنادرية لما وجدت له. (ومن أسمى أهداف هذا المهرجان التأكيد على هويتنا العربية الإسلامية وتأصيل موروثنا الوطني بشتى جوانبه ومحاولة الإبقاء عليه ليبقى ماثلاً للأجيال القادمة) هذا ما ستقرأ حين تزور موقع المهرجان الرسمي على الإنترنت، في خانة توضيح توجه المهرجان.
لست بحاجة للتذكير بأن تراث الشعوب هو سر تقدمها، الجميع يدرك ذلك. لكنها كلمة صادقة أعرف أنه يتفق معها الغالبية. نُحب بلادنا، وتراثها هو سر حاضرنا.. الجنادرية نجح لسنوات بأن يجعلنا نستعيد ماضينا الجميل، كلما غطاه سحاب الزمن السريع. ويستحق أن نحافظ عليه جميعًا.