د. خيرية السقاف
غدًا بدء سنة ميلادية جديدة..
وكل «التقاويم» تحذو نحو أول أيامها ميعادًا للعمل، للراتب، لمواعيد المصحات،
لرحلات الطائرات، لمسار القطارات،
لبدء أنواء، وانتهاء مواعيد..
لمرايا تكشف بعيدا، تعكس حدودًا، تفضِّل ملامحَ، تفضح بثورًا..
تكبِّر صغيرًا، تذهب بملمس نحو طلاء، وتُقيم إطارًا..
غدًا كل العيون نحو الرقم الأول، والسؤال الأكبر، في كل أنحاء المعمورة، حيث وحدها الرقم للأيام، في تقويمها..
فما الذي ستؤول إليه محاور السلام فوق الأرض، وقرارات الوئام المضاءة في العرض، والوعود بشفاء الأسقام للناس البسطاء المترقبين للوفاء بتفاصيل ما حمله سفراء السلام، وناشد بها رؤساء الهيئات الإنسانية، والمجالس التشريعية في العالم الكبير الممتد من أقصى الجليد، لأدنى الغابات، لامتداد التراب، لارتفاع القمم، لبسطة الشواطئ، لموغل الغابات، للعراة، للكساة، للجياع، للمتخمين، للعطاشى، للمرتوين، للفقراء، للموسرين، للجهلاء، للعارفين، للمرضى، للأصحاء، للمشردين، للساكنين؟!
طالما ارتبطت ثواني أيامهم، وحركة عقربي ساعاتهم، وأبجديات أعمالهم، ومآلات مساراتهم، ولحظات راحتهم، ومواعيد أفراحهم، وفجاءات أحزانهم بهذه الأرقام، في تقويم هذه السنة الجديدة؟!..
هذه الأرقام في عدد أيامها التي وحَّدت تقويم الزمن على أرض المعمورة، أتراها توحِّد مصائرهم نحو تحقيق محاور السلم في حياتهم، والسلام لهم، والعدل معهم، والسعادة إليهم، وتعنى بتفوقهم على ظلمة التيه، وتنصرهم على رهق الإضراب بين دواليبها التي تدور في ضوء الشمس بعذب، وفي خفائها بأجاج؟!..
هذا العالم النائي عنا، الغارق في الوعود، الهادر وقت الإنسان في الأماني، المطوِّح بأحلامه في مراجيح هواء، الذي أتخم بالنوايا الداكنة، الذي زكمته الذاتية المجحفة، الذي أغرقته أمواج المادة، الذي جذبته مغريات التَّسيد على حساب الإنسان، في أي يوم من تقويم هذه السنة سوف يقف مندهشًا، حين يتحقق فيه للبشرية سلامه، وأمانه، وتفوقه على خيباته؟!
أو أن أيام هذه السنة الجديدة أيضا ستعبر به لحظاتها مجحفة بأمانيه في امتداد خيباته؟!..
فلا يعود المشرد لداره، ولا يجد المريض دواءه، ولا ينتصر المظلوم بحقه، ولا تكون الدول الكبرى مآلاً لصدق الموعود، ومصدرًا لحماية البشرية، ومثالا للتنزه عن الأطماع فيما ليس لها؟!..
أما نحن، فهذه السنة ذاتها التي ستبدأ غدًا على صعيد أرضنا الطيبة لسوف تشهد مزيدًا من النور، وأكيدًا من مثول الأحلام على ثرانا، وقويًا من دفع الموج لسواقي طموحاتنا، سنركض لمعاقد وعودنا لتغدو حقائق، من جبال اللوز، لمرتفعات السراة، من ماء الشرق، لماء الغرب، من طنطورة لفيفا، ومن الدرعية لينبع، ومن القطيف لجدة، من ممرات البجيري، لمقاعد الجوهرة، ومن مراكز البحث، لمعارض الكتب، ومن الورقي للرقمي، ومن روضة الطفل لسرير المريض، ومن بهجة النجاح، لفلاح النتيجة، من الوزارة، للسفارة، ومن الطموح للتحفيز، ومن الضمور للانتشاء، ومن الأمل للعمل، ومن الحلم للحقيقة..
وإننا لننشد للمعمورة فيها أن يجعلها الله يومًا يومًا قدوم خير على البشرية، وهدى لأبناء الحياة، وسعادة للناس أجمعين..