د. أحمد الفراج
يموج عالمنا اليوم في فوضى عارمة، ففي أمريكا يواجه رئيس القوة العظمى حرب، تسبب هو في جزء منها، بسبب عناده، وإصراره على مواجهة الإعلام الشرس، الذي جعل نصب عينيه محاربة هذا الرئيس، الذي جاء من المجهول، ولم يتوقّع أحد أن يفوز، وكنت قد كتبت في هذه الجريدة الموقرة، عندما ترشح ترمب للرئاسة، وقلت إن فرصته بالفوز ضئيلة للغاية، وأنه إنما كان قد ترشّح، بهدف الترويج لنفسه، وبالتالي لمشاريعه التجارية، وكان هذا هو رأي معظم المعلّقين، إذ لم يدرك أحد أن شرائح واسعة من الشعب الأمريكي كانت قد سئمت من روتين المؤسسة الرسمية، التي همّشت هموم الشعب الأمريكي، لصالح النخب والشركات واللوبيات الضخمة، التي تتحكم بمسار السياسة الأمريكية، وبسبب عناد ترمب، فهو يبدو شبه مكبّل، لا يدري هل يتفرّغ لمهام الرئاسة، أم يواجه خصومه، الذين يتفنّنون في إزعاجه، وعرقلة مشاريعه.
على الضفة الأخرى، استغل ثعلب روسيا، القيصر بوتين، كل الفرص الممكنة، لإعادة أمجاد روسيا القيصرية، التي فكّكتها الإمبراطورية الأمريكية، فبوتين جعل الثأر نصب عينيه، واستطاع أن يفرض روسيا لاعباً عالمياً رئيسياً من جديد، وبدلاً من أن تُسقط الثورة بشار الأسد، استغل القيصر تلك الفرصة للتموضع في منطقة الشرق الأوسط، ونجح في فرض رؤيته وإرادته، مستغلاً علاقته الجيدة مع ترمب، وهي العلاقة الغامضة، التي أسهبت في الحديث عنها في مقالي الماضي، أما الصين، فقد دخل ترمب معها في مواجهة، لا يعرف أحد كيف ستتطور، ولا كيف ستنتهي، ولم تكن الصين سعيدة بمواجهة ترمب معها، فهو يحاول عرقلة تمددها الاقتصادي، الذي نجح في اختراق العالم، بما فيه أمريكا ذاتها، وغني عن القول إن ثلاثي روسيا والصين والهند، يشكِّل رعباً لأمريكا، التي تنمّرت، وتسيَّدت المشهد العالمي لعدة عقود، وذلك منذ السقوط المريع للاتحاد السوفييتي.
ثم تأتي إيران، التي استغل ملاليها ضعف الرئيس أوباما وانحيازه لها، فاستخدمت الأموال الضخمة، التي سلّمها لها، لدعم سياساتها التوسعية، فهي الآن تسيطر على المشهد في أربع دول عربية، وتواجه موقفاً صلباً من ترمب، الذي انسحب من الاتفاق النووي، وأعاد حصارها من جديد، ولن يكون سهلاً على ملالي إيران أن يتنازلوا عن مكتسباتهم، كما لا ننسى تركيا، التي يطمع رئيسها في إحياء أمجاد الدولة العثمانية، ويعمل بلا كلل، على حشد الإسلامويين العرب خلفه، خصوصاً في منطقة الخليج، فهو يعتبر الزعيم السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين، وكان يأمل في أن يسيطر التنظيم على الدول العربية، ليصبح هو الزعيم الأعلى لكامل المناطق، التي يسيطر عليها التنظيم، وفي ظل هذا المشهد العالمي المعقد، فإن كل شيء أصبح وارداً، فهناك حالات ترقب في أكثر من مكان، ومن الوارد أن تنفجر الأوضاع في أي لحظة، فالمشهد مرعب ومخيف، ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى أي انفراج، ما لم يحدث ما يشبه المعجزة، وفي مثل هذه الحالة، يكون الحذر والترقب هو سيد الموقف، فلنتابع وننتظر!