د.عبدالله بن موسى الطاير
أكدت تشكيلة مجلس الوزراء التي صدرت بها أوامر خادم الحرمين الشريفين الملكية على متابعة خطط التحول على الصعيدين الوطني والسياسة الخارجية. تكون مجلس الوزراء الجديد من 33 وزيرًا، 23 منهم تم تعيينهم في مجلس الوزراء في عهد الملك سلمان -أيده الله-، 15 منهم بحقائب وزارية، و8 وزراء دولة. ثلاثة وزراء شغلوا مرتبة وزير أو المرتبة الممتازة في عهد الملك عبدالله -رحمه الله-. الوزراء العشرة الباقون كانوا أعضاء في المجلس في عهد الملك عبدالله والبعض خدم في عهد الملك فهد -رحمهما الله-. أربعة منهم بحقائب وزارية، وستة وزراء دولة.
تشكيلة مجلس الوزراء شهدت دخول منصب جديد لمجلس الوزراء وهو وزير الدولة للشؤون الخارجية وكلف به معالي الأستاذ عادل الجبير، وهو ما يتيح للمجلس تركيز العمل على بعض الملفات الخارجية بشكل أكبر وبخاصة العلاقات السعودية الأمريكية. كما شهد إسناد حقيبة الخارجية للمخضرم الدكتور إبراهيم العساف.
هناك من تفاجأ بهذا التعيين، وهناك من استغربه، لكني أجده واحدًا من القرارات النوعية المهمة. فالوزير العساف عمل في واشنطن نحو عشر سنوات في البنك الدولي، وبذلك فإن هذا التأسيس يمنحه بعدًا مهمًّا خاصة وأن البنك الدولي يعكس بوضوح قوة العلاقة بين الاقتصاد والسياسة. وخلال تولي الدكتور العساف حقيبة المالية كان على اطلاع تام على الملفات الخارجية حيث لعبت المساعدات الاقتصادية دورًا مهمًّا في بناء التحالفات وتمرير المواقف السعودية وتعزيزها.
مجلس الوزراء في عهدي الملك فهد والملك عبدالله -رحمهما الله- يفرش على الطاولة القضايا الخارجية لدراستها بتعمق، والاستماع لوجهات النظر من أعضاء المجلس، وقد أضاف مجلس الشؤون السياسية والأمنية الذي يرأسه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المزيد من المدخلات التي تثري الرأي وتنضج القرارات. وسوف يفيد العساف من مدخلات جهازي الاستخبارات وأمن الدولة غير الممثلين في مجلس الوزراء.
ولا ريب أن الدكتور العساف نفسه قد اكتسب خبرة وحنكة من عمله الطويل في الدولة، ولكنه سوف يستفيد المزيد مما توفره إدارة الأمير محمد بن سلمان لمجلس الشؤون السياسية والأمنية ودعمه العاجل لما يصدر من قرارات بشأن السياسة الخارجية.
العساف قادم من قلب الخبرة الإدارية السعودية الطويلة، يعرف ثوابت المملكة، ويدرك ما خلف المشاهد المعاصرة من أجندات قديمة، ويستطيع ربط الماضي بالحاضر، وفي ذات الوقت فإنه مطالب بالمضي قدما وفق رؤية السعودية 2030 فيما يتعلق بالسياسات والعلائق الخارجية.
ولأن وزارة الخارجية تعد من أهم وأضخم الوزارات السيادية فإنه أمام تحد حقيقي لإعادة بناء أجهزة الوزارة بخبرته الإدارية والمالية، ذلك أن أي إنجاز متوقع في الدبلوماسية السعودية في الخارج يتطلب مؤسسة قوية ومستقرة في الداخل قادرة على دعم البعثات السعودية في العواصم العالمية.
ما أخشاه على معالي الوزير العساف دخول الخارجية مرتديًا جلباب وزارة المالية. ولكني أعرف أنه من الحصافة والفهم بحيث لن يكون إلا أكثر المزعجين لوزير المالية الحالي بطلب تعزيز بنود الوزارة واعتماداتها المالية. فبعثات المملكة الخارجية تعمل في تنافس محموم مع سفارات دول معادية للمملكة، ولدى رؤساء تلك البعثات الدعم المالي والمرونة الكاملة لاستقطاب النخب المؤثرة، ولا يجب أن يكون رؤساء البعثات السعودية أقل من غيرهم في القرار والنشاط والمنافسة لكسب أصدقاء للمملكة. آخذين في الاعتبار أننا لا نعيش عصر القيم، بقدر ما نعيش عصر المصالح وتبدل الولاءات.
وما أتمناه على معالي الوزير العساف أن يجمع لوزارته خيوط الخطاب الإعلامي السعودي الموجه للخارج، وأن يوحد مفرداته، وأن يضع إستراتيجية متكاملة في هذا المجال معتمدًا على جهود السفارات. هناك قدرات سعودية شابة في تلك البعثات، تتحدث لغات عديدة، وقادرة على العطاء بمعرفة، وتتمتع بالحس الوطني، والحرص على مصالح المملكة. كل ما يحتاجونه هو الرؤية والتوجيه الواضحين، واعتراف الوزارة بإمكاناتهم ودعمهم بالميزانيات المناسبة، والمرونة في صرفها، ثم تقييم الأداء بعد ذلك ومحاسبة المقصرين منهم، والعساف هو الرجل المناسب في المكان المناسب لتحقيق ذلك.