سام الغُباري
- اليوم افتتح زاويتي الأسبوعية في صحيفة الجزيرة بدعوة كريمة من رئيس تحريرها الأستاذ خالد المالك، ومنها أُطل على من تبقى من قراء الصحافة في وطن بثلاثة حدود!، حد الجغرافيا السيادية، وحد الجنوب الغاضب باتجاه الشمال، وحد الانقلاب المنحسر على الدوام.
- وطن مطوق في داخله، ثنايا المُر تهتك إنسانية المرء وتثنيه عن وعيه وأوعيته، تعصره في متاهة البحث عن مخرج من يمن محاصر بالمحيط جنوبًا والبحر الملتهب غربًا، والغاضبون شرقًا، وفي قلبه جوع وفقر ومخافة وعصابة وجحيمُ!
- إنه افتتاح مخزٍ، وبداية مُحرجة لكاتب وجد نفسه هاربًا من السجن والصرخة، فقرر أن يكتب مجددًا كي لا يموت، كاتبٌ يقفز كالبهلوان من مدونة إلى أخرى، ومن ورق الصحف إلى أغلفة الكتب، ومن منشور إلى تغريدة، ومن جدل بمجموعة أصدقاء إلى نقاش على طاولة مستديرة، ومن ندوة إلى حديث هامس بين شخصين في بهو فندق رخيص على ضفاف نهر النيل.
- إنه عالم أشبه بسيرك، قضية مؤلمة لحرب نزف فيها الدم كما يشتهي الشيطان وكما يريد الحوثيون، وتحللت الجُثث الصريعة على تبابه المجهولة وفي أعناقها قلادة مطاط ورقم مطبوع على قطعة حديد. نستعيد اليمن شبرًا شبراً، حجرًا حجراً، وفي كل معركة تعود السيارات الخضراء إلى مقابر الأرياف لحجز موعد عاجل لميت قرر الذهاب إلى الجحيم بما كسبت يداه.
- قوافل من العواء، وسرادق عزاء توازي مأساة أمة اختنقت في منتصف رحلتها بالعنصرية التي انفجرت في وجهها فجأة كقنبلة من براز خنزير. تخيلوا ذلك وأنتم تستعدون لتناول طعام الغداء.. أليس الأمر مقززًا ؟، أولئك الذين اشتروا مزارع اليمنيين بالضلالة والسحر، عمدوا إلى تربية قطعان الخنازير وعلى رأس كل كتيبة ذئب مُدرب في طهران.
- السلام مع الذئاب كالرقص معها، هل رأيت راقصًا يُروض ذئبًا؟ وقت الخسوف أشاح القمر وجهه الدُّري واكتفى اليمنيون بضوء النار المشتعل على أعواد حطب البادية، تمايل الراقصون ولمعة النار تبرق من جنابيهم المشهورة وفي عيونهم شرر وجمر، وعواء ذئب منفرد يحشد أقرانه لبلوغ حافة التحدي، مخالبهم مقابل جنابينا، وأنيابهم في مواجهة أسنان الراقصين، وشهوة الدم تراق على قدور الحساء المغلي، وفوق أنشوطة مُعلقة برأس الخيمة الأولى بقايا خروف أكله الراقصون حيًا.
- عوى الذئب وضرب الفتى طبلته، واشتبك الحاضرون في رقصة لا حدود لإيقاعها، صخب مفزع، وتحدٍ على الموت بقضمة ناب مسعور أو طعنة خنجر مسلول. من بعيد سمع العابرون صوت إيقاع الطبلة الحاد، ظنوا أنه عُرس بدوي شغوف، فعبروا وأرجع الصدى صوت قرقعة عظام وصرخة مكتومة، فحسبوا أنه الطبّال يُدهِش ضيوفه بلون جديد يحاكي شفرة الموت في إيقاعها وأوجاعها.
.. وإلى لقاء يتجدد