د. خيرية السقاف
فلربما يأتي الشتاء بدفئه،
للبؤساء خارج ضمائر المنعمة أجسادهم بدفء أرديتهم الوثيرة..
ولربما يأتي الشتاء بدفئه،
للمشردين بوقيد حطب نفوس من غادرتهم فضيلة الإحساس بغيرهم..
ولربما يلقي الشتاء بأطباقه،
للجياع بوقود أفران المتخمين بشبعهم..
ولربما يأتي الشتاء للغرقى في مخيماتهم، ودروب شتاتهم
بمجاديف السادرين في السباق نحو أعالي عقد الموج..
ولربما يأتي الشتاء للعراة،
بكساء المؤثرين على أنفسهم في خضم التائهين في غيهم..
ولربما، ولربما..
والشتاء جاء..
أجل جاء بزمهريره، وسمومه، وظلمته، وهيبته،
بأمطاره، وثلوجه، وجليده، ووحشته..
إلا من مأوى، وكساء، ووقود، وغذاء..
ولمَّة أهل ورفقاء!!
فكيف هو الشتاء في الشتات، والعري، والفاقة، والضياع، والجوع، والفقد؟!
شتاء بؤس، والبؤساء يبتردون،
فلربما فيه تهدل جوارهم حمامة فيأنسون..
ولربما تمر بهم قطة فارة من صقيعه فيطمئنون..
ولربما في ظلامه يد تمتد إليهم بحساء فينهلون..
ولربما عين تنظر إليهم فيُطعمون، ويُكسوْن ..
ولربما ضمير يقظ يقصدهم فيستدفئون..
ولربما قلب شاسع ينفرج لهم مأوى فيسكنون..
الشتاء جاء..
والبؤساء، المنبوذون، المشردون يصارعون
الجوع، والعطش، والعراء..
يصارعون السيول، والزمهرير، والحاجة،
يصارعون الفقد، والضياع، والدموع..
والذين في الدفء يتبادلون في أمرهم رصف الكلام،
والشفقة المُدَّعاة..
يمارسون في شأنهم هدر الوقت ممزوجا بهدر القيم..
لا يجيدون في أمرهم غير ذر الرماد، وينامون في وثير فرائهم..!!