د. محمد عبدالله الخازم
كتب الأستاذ محمد التويجري مقالاً بتاريخ 16 نوفمبر يدعو المسؤولين في التعليم إلى قراءة كتابي «جامعة 2030» وتكرر السؤال في لقاءات أخرى حول تفاعل الجامعات والجهات ذات العلاقة مع مؤلفاتي في التعليم العالي، فرأيت أن أكتب شيئاً من تجربتي حول تعامل الجامعات مع منتجي الثقافي -كنموذج- حول التعليم. عندما أصدرت كتاب «التعليم العالي في الميزان» كنت متحمساً بأن أصدره على حسابي متأملاً اقتناء الجامعات له باعتباره معني بسياساتها. طلبت من مدير إحدى الجامعات أن يكتب مقدمته وبعد شهرين، اعتذر بانشغالاته ولاحقاً كان صريحاً معي بأنه يخشى بأن تحسب الآراء الواردة عليه من قبل المتربصين! أهديت نسخاً لمديري الجامعات ورد بعضهم بالشكر والأغلبية لم تفعل. قررت التخلص من الكميات الكبيرة لدي بإهداء كل جامعة عدد 35 نسخة مصحوبة بعبارة «إن أردتم دعم الكاتب فيمكنكم تحويل ثمنها له وإلا فهي هدية للجامعة». جامعة واحدة هي التي تجاوبت مع المبادرة -ربما لمعرفة شخصية- والبقية صمتت!
كتابي الثاني «اختراق البرج العاجي» كان محظوظاً بتقدير وزارة الثقافة بمنحه جائزة أفضل مؤلف سعودي في التعليم وهنا يتوقع بحث الجامعات عنه، كأفضل كتاب، ولكن ما حدث هو أنهم رفضوا اقتناءه بعد أن سوقه لهم الناشر. أهديت الكتاب لهم ولم يأت أي رد من جميع المديرين بما في ذلك جامعتي التي لم تقدم لي حتى تهنئة الفوز بالجائزة! وبسؤال عميد مكتبة جامعية كبرى عن المبررات أجاب أنهم لا يشترون سوى ما له علاقة بالمناهج الدراسية، فقلت له ولكن لديكم أكثر من قسم وتخصص له علاقة بما أكتبه، فأجاب كتاباتك تتحدث عن السياسات وتنقد الأداء وهذا غير مرحب به في الجامعة وسيكون إحراجاً عرضه في رفوف المكتبة!
مؤخراً صدر كتابي الجديد «جامعة 2030» وهو بحمد الله يحظى بتجاوب وإقبال رائع من قبل المهتمين. هذه المرة، لم أجهد نفسي في إهدائه لقادة الجامعات، من يبحث عن رؤية لجامعة المستقبل السعودية فسيجده متوافراً. طبعاً لا نطلب المستحيل، فقط تقدير معنوي كوضع بعض نسخ الكتاب بمكتبة الجامعة، أو إتاحة المجال لمناقشة الأفكار عبر الندوات والحوارات المختلفة...إلخ. سرد التجربة هنا -رغم حرج الحديث الشخصي- يقود لطرح الأسئلة؛ لماذا جامعاتنا لا تدعم الثقافة والتأليف والمنتج الفكري والثقافي المحلي؟ أليست ضمن مسؤولية الجامعات دعم التأليف والنشر والثقافة والفكر والأدب، وهي -افتراضاً- الأقرب إلى مجتمعات المفكرين والقراءة؟ كيف ندعي تنمية الفكر والبحث والمعرفة ونحن نرفض حرية الاختلاف ونرفض الرأي الآخر ونثبط من يطرح فكرة مختلفة؟
المطلوب من جامعاتنا دعم المنتج الثقافي والمعرفي والبحثي، كجزء مهم من تشجيع حركة البحث والـتأليف والنشر وفتح آفاق الحوار وتبادل الفكر. المنتج المعرفي ليس مجرد مقررات أو مذكرات تدريسية، أو أبحاث معلبة، بل هو كل ما يحث على الإبداع والحوار بحرية في كافة المجالات. أخشى أن هناك فجوة أو عزلة تعيشها جامعاتنا سواء مع ما هو خارجها أو حتى داخلها بين قطاعاتها ومستوياتها المختلفة!