مها محمد الشريف
إذا كان هناك من مشاهد ثرية تفرح القلب، وتثلج الصدر، فهي تلك التي تصاغ بطرائق موجهة للعقول والأذهان، يحدد المرء بموجبها ما ينبغي الإتيان به. ووجود هذا الحراك الثقافي والمنصات التي تنتظر صعود المؤلفين والمؤلفات للتوقيع يحقق قدرًا كبيرًا من الإنجازات والإرث الثقافي. ويشكل هذا النمط الإنتاجي واحدًا من أعظم الأشكال القيمة التي تفوق بها المجتمع السعودي بوجوده الكثيف في هذه المحافل.
من شأن هذا التمييز الدفع بنا إلى الإقرار بأن أطياف المجتمع تحرص على الحضور واقتناء الكتب؛ فقد كان الافتتاح وسط كوكبة مشعة من المسؤولين والإعلاميين والمثقفين، وفي مقدمتهم سمو أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، الذي دعا فيه إلى مراعاة النسخة الحالية للمعرض تطلعات وآمال كبيرة، تؤكد الاجتهادات الضرورية لبناء المعارف الحقة. وحث سموه على المضي في عناصر التجديد، والتنوع في الإثراء المعرفي، ونشر الوعي والمعرفة وتثقيف المجتمع بالكتاب.
هكذا كان التوافق في ارتباط النظريات العلمية بوجه عام بوظائفها الاجتماعية والسياسية.. فهذا يعني أن أسس ارتباط العلم وآلياته ونتائجه بالمجتمع تمنح دلالات تستحق أن نتوقف عندها، ولاسيما بإقامة الفعاليات الكبرى للكتاب، وتقديم الثقافة بأجمل صورها وأشكالها. ومعرض الكتاب يمنح فرصة وجود أهم وأغلب الإصدارات بمكان واحد، ومن ناحية أخرى فرصة الحصول على بعض الكتب غير الموجودة بالمكتبات، إما لعدم وجود وكيل لدار نشر عربية أو أجنبية، أو ندرتها.
إضافة إلى ذلك البُعد الاقتصادي الداعم لقطاع النشر، وهو في الحقيقة اتجاه ينتقل بنا من العقل إلى العالم، تحتضنه مدينة جدة عروس البحر الأحمر والشواطئ الساحرة، وما ترتبط به من تاريخ مجيد ومخزون ثقافي وإرث حضاري، عزز البيئة الثقافية التي أشاد بها سمو الأمير.
بمشاركة 400 دار نشر من 40 دولة حول العالم، تلك هي الثمرة التي يقطفها المجتمع، وتتوحد مع ذاته، وتجسد الرغبة بهذا التجمع الكبير بما يمتع العقل، ويربط واقعه بعلاقة عيشه وآفاقه المستقبلية كمحطة من محطات العلم التي أنتجت التقنية.
يستفاد من هذا أن التركيز على العوامل الثقافية يحافظ على نجاعة النشاطات والأعمال الملموسة للأفراد؛ فمختلف الأنساق عمدت بفعل اهتمامها بالاستدلالات اليومية في صفات الإنسان مهما بلغ علمه وثقافته وتياره الفكري المندفع صوب أهدافه.
وبمثل هذه الجهود الفكرية تتكون العلوم التي تعبِّر عن قدرة الإنسان وتفوقه كنموذج ناجح وسط عالم فسيح مشوش وغاضب.. ويمكننا تعزيز قناعاتنا الجوهرية الجديدة بسرعة أكبر، وتقييم تجاربنا على مقياس رقي الأمم وتقدمها المرهون بما وصلت إليه من مستوى ثقافي. وتعتبر معارض الكتب من أدوات الاستثمار بالقوة الناعمة التي تعطي صورًا إيجابية عن البلد والمجتمع.