د.عبدالعزيز العمر
أود بداية أن أوضح أن المقصود بالوعظ في هذه المقالة هو العمل على إغراق الشباب في كم كبير من المعلومات والتوجيهات التي تقدم لهم بأسلوب لفظي ممل وجاف، الأمر الذي لم يؤدِ إلى حدوث أي تغيير إيجابي في فهم الشباب، أو في قناعاتهم، أو في ممارساتهم، أو حتى في أسلوب تفكيرهم. لقد أمضينا سنوات عديدة ونحن نضخ وعظًا دينيًّا وتربويًّا في أدمغة طلابنا وأبنائنا. فإمام المسجد يعظ، والأب يعظ، والمعلم يعظ، والإعلام الموجه يعظ. ومع ذلك لم ينجح كل هذا الوعظ المكثف في الرقي بفهم وبممارسة أبنائنا للقيم وللسلوكيات الإسلامية السامية، ولا حتى بممارستهم للقيم الإنسانية الحضارية الرفيعة. فعلى سبيل المثال أمضى جهازنا المرور ردحًا من الزمن وهو يعظ الشباب في مجال أخلاقيات القيادة وأصولها، واتضح أنه كلما تزايد الوعظ المروري تزايدت في المقابل الحوادث والفوضى المرورية. ولم يكن الوعظ وحده هو الذي فشل في الحد من الحوادث المرورية، بل إن التعليم المتواضع شارك في صناعة هذا الفشل. وبين فشل (الوعظ) وفشل (التعليم) في تعزيز السلوكيات وبناء قيم وأخلاقيات القيادة المرورية في نفوس شبابنا جاءت أخيرًا (قوة النظام) ممثلة في الغرامات والإيقاف لتفرض على الناس احترام وهيبة النظام المروري، فوجدنا انخفاضًا ملحوظًا في الحوادث المرورية (بشهادة أطباء الإسعاف). إن قوة وهيبة النظام يجب أن يرافقها نظام تعليمي نوعي يسهم في الرقي بسلوكيات طلابنا وبمستوى تعاملهم الأخلاقي مع الآخرين. وكمثال فقط انظر كيف يتحدث شبابنا إلى بعضهم في أي مكان عام، أصوات عالية متداخلة وفوضى وكلمات هابطة تخرم الأذن وتخدش الحياء، ثم انظر كيف يقتلون أوقاتهم بالانشغال في توافه الأمور، وكيف يسيؤون إلى البيئة وإلى المكان الذي يجلسون فيه، هذه هي نتائج الوعظ المعلب وغياب هيبة النظام.