د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
«الوفاء والولاء» عنوان جميل اختاره المهرجان الوطني للتراث والثقافة وسما لعامه الثالث والثلاثين حين عادت أيامه للإشراق، فحملتْ معها الفُرص، وافتتحت كنوز المهرجان الملأى بالهبات المقدمة بسخاء للخطاب الثقافي المستنير الذي «صُنع في السعودية» وللتراث الوطني العريق الذي «غُرس وتجذّر في السعودية».
جاء المهرجان يحمل حواس الوطن في كل نبضات ماضيه، فأضحتْ الجنادرية ذاكرة جديدة ومتجددة؛ تستجلب الموروث الأصيل وتلبسه حلة عصرية، وتقيم منصات الثقافة لتحتفي بالكلمة الجميلة في مسترادها، والفكرة الشاردة في مرابعها حتى أصبحت ثقافة الجنادرية علامة فارقة في الثقافة الحاضرة ناصعة الصورة، فحينما حلَّ المهرجان في حلته الجديدة وانبلج نوره، وأحاطه القائمون عليه بجدارة الاستبصارات الماضية من تراثنا وجعلوها مركبًا لقيادة الحاضر بإشراقات الماضي.
في المهرجان الوطني للتراث والثقافة هذا العام طوّق وسام المؤسس الملك عبد العزيز ثلاث قامات ثقافية وعلمية بوهج لآلئه التي تلمع كل عام منذ عهود، فغدتْ قيمة الاسم والمسمى تكريمًا وذاكرة أخرى تشهد لحكام بلادنا بأنهم كما نرى ونعلن ونفخر،،
وفي غراس المهرجان هذا العام تحولت التظاهرة الوطنية إلى أكبر احتفاء بالتراث والثقافة يباهي بالماضي إرثًا وبالحاضر منجزًا وبالمستقبل استشرافًا،،
ويقابلنا في المهرجان الوطني للتراث والثقافة مصطلح الانتقال من المحلية إلى العالمية الذي يتربع على واقع المهرجان منذ سنوات عدة فقد صيغت على أرضه منارات عالمية للتراث والثقافة والفنون فأصبح مركز إشراق آخر تتوهج من منصاته انعكاسات الضوء على حضارة بلادنا المملكة العربية السعودية.
كما أن المتتبع للسجل التاريخي للمهرجان يستبصر تاريخ التراث في بلادنا والجزيرة العربية ثقافة وتقاليد وقيمًا عربية أصيلة يجسدها المهرجان على أرض الواقع من خلال ما تعرضه وتشارك به المناطق المختلفة من تراثها الحرفي والشعبي القديم؛ ومن هنا ندلف إلى خصيصة أخرى للمهرجان الوطني للتراث والثقافة هي تأكيد الهوية الوطنية وتعزيزها لدى الأجيال،،
فعندما خطا المهرجان خطواته الأولى اتكأ على محددات تراثية للناس بها شغف ووله ولهم فيها مآثر، ومنابر وحكايات، انطلاقًا من سباق الهجن؛ والهجن هواهم حين المسير وحين النفير، وحيث الحرف المتقنة التي لم تراقصها خطوط المصانع، ولم يدرس أصحابها مفهوم الجودة وتطبيقاتها، وحيث عبق الروائح الزكية التي لم تتحقق فيها النسبة والتناسب بين مكوناتها إلا أنها مهنة معشوقة حتى الثمالة كان خلط عناصرها في حنايا الوجدان وقياس جودتها بالعين المبصرة الفاحصة.
كل ذلك وغيره أسس لثقافة إحياء التراث ونجح فيها المهرجان مع مراتب شرف واقتدار فحقق المهرجان تجسير الفجوة بين الناشئة وتراثهم المهمش فجمع لهم ما بين أصالة الماضي ورونق الحاضر.
كما كان للمهرجان الوطني للتراث والثقافة وقفة انفتاح نحو حضارة الآخر تحقيقًا للتعايش الذي ما فتئت تدعو له بلادنا الغالية في كل مواقفها، وقد تمثل ذلك في صفوف الاستضافة للدول الصديقة والشقيقة للمشاركة في المهرجان كمنصة حضارة أخرى لعرض تفاصيل ثقافتها وتراثها في ذات النطاق الذي يحمل ثقافتنا وتراثنا؛ فتلك مثاقفة تُرى رأي العين وتُجنى ثمارها من الجانبين حيث يطلع مرتادو المهرجان على ثقافة الضيف وتراث بلاده والجميل من علاقاته ببلادنا...
ولعلَّ من إشراقات التطوير القادمة لهذا المهرجان الوطني العريق أن يقدم التراث بتشكيل يجعله جزءًا من الحياة الحاضرة مما يؤطر لقيمة التراث الفكرية في واقع الناس بحيث يصبح رافدًا قابلاً للتجدد في فحواه ومحتواه وليس في تنظيماته التنفيذية فقط.
وكل عام والمهرجان في أوج وضوء وحياة جديدة.