د. عهود سالم
كنت على الشاطئ، أحاول أن أستنشق هواءً نقيًا، وأهمس بكل ما في صدري من أسرار للبحر، مقتنعة أن البحر مستمع جيد وخزانة أسرار. تأتي إليه مثقلا فيأخذ منك كل ما يثقل قلبك دون أن تحس بأي تأنيب ضمير من أن يصاب بعدوى مشاعر سلبية. متيقنًا أن البحر هو الوحيد الذي لن يفشي سرك، لن يستخدمها ضدك، حتى وإن وقعت متلبسًا بنسيانه أووقعت في حب مكان آخر. البحر هو الوحيد الذي لن يصدر عليك أحكام مسبقة، لن يرفضك، لن يضحك عليك في سره. يأخذ عنك كل ما يزعجك ويعطيك هواءً نقيًا ويقول لك: قم من جديد.
وبعد ما قلت للبحركل ما أريد أن أقول، وتصالحت مع ذاتي وسكنت روحي، جرى نحوي كلب كبير، وأنا للأسف أخاف من الكلاب. وعندما رأيته متجهًا ناحيتي حاولت أن أهرب لأنه الحل الوحيد الذي أستطيعه في تلك اللحظة أو هكذا تخيلت. أصدقكم القول بأنه لم يكن الحل الأذكى؛ لأن الكلب كان يعتقد بأني ألعب معه وبدأ يلاحقني. وفجأة سمعت صوت صاحبته -وهي سيدة في منتصف الخمسين من عمرها- تناديه أن يأتي إليها وبالفعل ذهب. ثم أتت إليّ معتذرة. لم أصدق اعتذارها في البداية لأني اعتقدت بأن تركها للكلب قد يكون متعمدا، لكن إلحاحها في الاعتذار ومحاولة تفسيرها للموقف بأن كلبتها كانت تعتقد بأني ألعب معها، جعلني أصدقها. قبلت الاعتذار ومضى كل منا في طريقه باتجاهين مختلفين على الشاطئ. ثم عادت إلىّ مرة أخرى وقالت لي: «أنا أعتذر مجددًا، ولكن أريد أن أقول لك إذا حدث معك موقف مشابه في المستقبل، فأرجوك لا تهربي. قفي بثبات وقولي للكلب بلغة حازمة Down:». ثم قالت لي: «هل ترغبين في الربت على ظهر كلبتي». أجبت: نعم. أمسكت هي الكلبة وانتظرتني أقترب وبكل هدوء، وضعت يدي على الكلب مرتين. في تلك اللحظة،كنت خائفة لكني فعلت ما فعلت لأمرين. الأول: أريد أن أواجه خوفي. داخليًا، أعرف بأني لن أتخطى خوفي في جلسة واحدة مع كلب، لكن كنت أريد أن أعترف بأني خائفة. كنت أريد أن ألاحظ شعور الخوف عندي. أن أسمح لنفسي أن أخاف دون أن أخجل من أن أكون خائفة. ثم أردت أن أسمح لنفسي بمواجهة الخوف بدلا من الفرار منه كما فعلت في السابق. أن أختار أن أخطو خطوة للأمام لحل المشكلة. وأحسست بسعادة عندما فعلت لأني وقتها تعلمت أن هناك خيارات أخرى غير الهروب من الخوف. الأمر الآخر: هذه المرأة المختلفة ثقافيا عني، اعتذرت لي بصدق، نصحتني بصدق، وشجعتني في أن أواجه خوفي عندما عرضت على أن أربت على ظهركلبتها. وتعلمت بأن أي هوة ثقافية تحتاج إلى اثنين لردمها. هي أدت دورها بأناقة وأنا أحببت أن أمد يدي أيضًا وأساعدها في ردم الهوة التي كانت بيننا. فمن الحماقة ألا تمد يدك لآخر إذا قدمها لك صادقًا.
هذه المرأة لم تقدم لي نصيحة في التعامل مع الكلاب فقط بل نصيحة في التعامل مع كل ما يُخيفنا في الحياة، مع مشاكلنا، الأشخاص السلبيين في حياتنا وغيرها من الأمور. ففي أحيانا كثيرة يكون الحل في أن تبقى ثابتا ولا تقم بأي ردة فعل غير الوقوف ثابتا في مكانك. فأفضل فعل هو في عدم الفعل، وأن تقول لما يخيفك بحزم: اجلس مكانك. خلاصة القول، عندما هربتُ من الكلب أعطيته القوة، وعندما ربت على ظهره استعدت القوة.