الحمد لله على قضائه وقدره.. فجعنا -فجر السبت- بفقد رائد كشفي له مكانته في قلوب كل المنتمين لرابطة رواد الحركة الكشفية بالمملكة، وله مكانته في قلوب كل مُحبي العمل التطوعي، وله مكانته في قلوب كل أهالي المجمعة عموماً وجلاجل خصوصاً، ذلكم هو الوالد والمربي والقائد والرائد والتربوي والقدوة عبدالله بن سعد المزروع - رحمه الله وأكرم مثواه، وأعلى مقامه عنده.
عن أي صفات الفقيد ومناقبه أكتب، بل عن أي سماته ومنجزاته وعطاءته أتحدث، وأنا الابن في مدرسته المكلوم في فقده، والمعزي في وفاته، فمشاعر الحزن والأسى تجعلني لا أستطيع أن أعبر عن أحاسيسي تجاه مُصابنا، الذي حل بنا صباح أمس الأول السبت الثامن من ربيع الآخر لعام ألف وأربعمائة وأربعين، غفر الله له وأسكنه فسيح جناته.
لقد عرفته بدايات التحاقي كشافاً بمعسكرات الخدمة العامة في مكة المكرمة عام 1399هـ، فوجدت فيه المثال الذي يُقتدى، أعماله تطبيق مُتقن، مبادر في حب الخير وخدمة الآخرين، يؤثر على نفسه، دمث الخلق، طيب الكلام، جميل المزاح، يداعب الصغير، ويمازح الكبير بأسلوب خاص لا يجيده إلا أبو علي، صاحب حكمة وصواب رأي.
إن دموع الرجال غالية، لكنها عليك أبا علي تنهمر وتنسكب العبرات، ففقدك مصاب يكابده كل من عرفت يا صاحب الابتسامة الدائمة والقلب النقي، أعاننا الله نحن محبوك على فراقك، وأنزل سكينته على قلوب إبنائك وأسرتك وعائلتك ومنسوبي الكشفية في الوطن العربي أجمع، الذين سيظلون يذكرونك بالخير أخاً كريماً ومربياً جليلاً ورائداً وقائداً قدوة في أقوالك وأفعالك.
لقد جمعتني بالراحل الغالي مواقف كثيرة داخل المملكة وخارجها بعد أن أصبحت زميلاً، وإن كنت أمامه أبقى تلميذاً، فوجدته ذاك الشخص المُتدين، المُحب للخير، المبادر لكل عمل نبيل، ثاقب الرأي، عميق النظرة، مقبلاً على الحياة، غير ناس لدار البقاء، صادق التعامل، نظيف السريرة لا يحمل على أحد، يبذل الخير والبحث عن الحب للناس كل الناس.
أتذكر من تلك المواقف في معسكرات الخدمة وكنت ضمن الفريق المساعد له في مهمة تغذية الكشافين عام 1406هـ تقريباً أنه يؤكد أهمية أن نمنح الكشافين والجوالة المزيد من التغذية وكان يقول بأسلوبه العفوي «هم في ذمتنا.. لا يرجعون لأهلهم ناقصين»، وهو يؤكد بذلك حرصه على أبنائه الكشافين الذين أُؤتمن عليهم، وأتذكر أنه قد مرض خلال مشاركتنا في اللقاء المتوسطي الخامس عشر بالمغرب عام 2015، وكنا قبل مرضه نجتمع عنده بعد صلاة الفجر نحتسي القهوة في غرفته، وبعد مرضه قلت له أرى يا أبا علي أن نجعل القهوة في غرفتي من أجل أن ترتاح بعض الوقت بعد الصلاة، قال بأسلوبه الجميل «راحتي جمعة ربعي حولي»، وأتذكر أنني اتصلت به مواسياً في فقده لكم كبير من الأغنام، فقال: الحمد لله على كل حال، وأتبعها بقوله ممازحاً «أعتبرني ذبحته كرامة لك وللغالين شرواك الذين لا يوفقون على عزيمتنا»، وأتذكر أنني قبل أشهر عدة اتصلت به من خارج المملكة معزياً إياه في وفاة أم علي فقال لي صابراً محتسباً متفائلاً «عزاءنا يا أبا عوض هو أن الله سبحانه اختارها إلى جواره، فلتهنأ إن شاء الله بصحبة الأخيار في الفردوس الأعلى، نسأل الله أن يجمعنا بها في جنات النعيم».
لقد افتقدنا قائداً ورائداً كشفياً ممارساً ومحباً للعمل التطوعي، لقد افتقدنا صاحب بسمة طالما ارتسمت على الشفاه، افتقدنا أخاً وأباً ومربياً واسع القلب، طيب النفس، محباً ومحبوباً، ولا نملك إلا أن نقول إنا لفراقك يا أبا علي لمحزونون، نسأل الله أن يتغمدك بواسع رحمته، وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وأن يجمعنا في مستقر رحمته، وإنا لله و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- مبارك بن عوض الدوسري