سمر المقرن
منذ اللحظات الأولى التي قامت فيها الثورة ضد الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، كان يقدِّم مواقف ودروساً في الأخلاق والوطنية التي تمسّك بها رغم كل المخاطر التي كانت تواجهه في ذلك الوقت، محبته لوطنه وشعبه فرضت عليه أن يدرأ الفتنة ويتنحّى عن السلطة تاركاً وصيته الشهيرة بالحفاظ على مصر. كان يعيش وسط عش الدبابير عندما دخل الإخوان المسلمين إلى مقاعد السلطة، ومع ذلك لم يخف ولم يستسلم، كان إيمانه العميق لا يهتز راسخاً بقوة وطنيته.
أنا من أشد المعجبين بهذا الرجل، وبزوجته السيدة سوزان مبارك التي كانت المرأة الأولى أمامي منذ طفولتي وإلى أن دخلت إلى دهاليز الصحافة، كامرأة أولى ليس في مصر فقط، بل في أعمالها الإنسانية ودعمها للمرأة والطفل وكل سُبل النهوض بمجتمعها، كنت دائماً أتابع أخبارها بإعجاب لأنها تستحق الإعجاب.
اليوم وأنا أشاهد الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك وهو يدلي بشهادته ضد الإخواني محمد مرسي، عن أنفاق التهريب التي كانت في فترته لتهريب المليشيات المسلحة، كان إعجابي يزيد بمراحل عديدة عمَّا قبله، حرصه وأمانته وأخلاقه هي دروس يجب أن تُكتب ليتعلّمها الناس كافة ويدرسها الأجيال، رغم الجرح العميق الذي عاشه بسبب ما يُسمى بـ»الإخوان» والفرصة كانت أمامه لينتقم بنفسه، إلا أن روح التسامح كانت تتقدمه ومصلحة وطنه كانت فوق كل ما يُمكن تخيله.
محمد حسني مبارك كان رجل المواقف، صاحب النظرة الثاقبة، هو من وقف حجر عثرة ضد التمدد الإيراني الذي كانت وما زالت مطامعه في خليجنا العربي.
لقد تعلّم المصريون درساً، وليس هم فقط، بل هو درس لكل العالم العربي، بعد خروج مبارك من السلطة وما مرت به مصر من أحداث موجعة كانت آثارها تمتد حولنا جميعاً. أحب المصريون والعرب مبارك بعد خروجه من السلطة أكثر من محبتهم له أيام فترة حكمه، وعلم الجميع أن الخسارة فادحة.
كل مواقف حسني مبارك تتجه إلى السلام، من يراه في لقائه الأخير أثناء الشهادة يشعر بأن هذا الرجل هو رجل غارق في مساحات شاسعة من السلام مع النفس الذي انعكس على كل سلوكياته ومواقفه منذ عرفناه إلى اليوم.