أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: لا أزال أحتفظ بمقالة للأستاذ (محمد بن إبراهيم فايع) بخميس مشيط عن رثاء النفس؛ وقد كتبها بالمجلة العربية في شهر ربيع الثاني1421هجرياً؛ وهي من أشعار جاهلييين، ومخضرمين، وإسلامييين، وقد أشبعتها باجتهادي ومعاناتي الشخصية.. قال الفايع - حفظه الله: (لقد كانت المراثي وما زالت في الشعر العربي أكثر تدفقاً للعاطفة، وأصدق تصويراً للأحاسيس والمشاعر والانفعالات؛ وسيبقى الرثاء أكثر (بخاصة الأغراض الشعرية) التصاق بالنفس البشرية؛ فهو تعبيرٌ عن ألم الفقد والتفجع والحزن؛ ولقد تعددت أنواع شعر الرثاء من بكاء الأهل والأقارب.. إلى شكوى المصائب والرزايا، إلى رثاء المدن والأمم كقصيدة (أبي البقاء الرندي) عندما رثى بلاد الأندلس؛ وهي شهيرةٌ ومطلعها:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ
من سرَّه زمنٌ ساءته أزمان
قال أبو عبدالرحمن: من البديهي أن الإنسان يتقلّب بين غرارة الصبا، وفتوة الأشد، وسعة الرزق.. وبين أضدادهن من الضعف والفقر.. كما أنه يعيش تقلب أهل زمنه؛ فثمة زمنٌ يكون فيه العدل والإنصاف والرحمة؛ ثم يليه الظلم والقسوة.. إلا أن ما أريده من (رثاء النفس) الدعاء الصادق لولاة الأمر في الثلث الأخير من الليل، وعند صعود الإمام على المنبر في صلاة الجمعة، وفي آخر ساعة من عصر يوم الجمعة، وفي السفر، وحين نزول المطر، وعند لقاء العدو في حال الجهاد في سبيل الله؛ فكل هذه الأوقات هي أوقات الإجابة؛ فيدعو عن ظهر الغيب لولاة الأمر بالهداية، والتوفيق، والرحمة للرعية، والرفق بها، وأن يغرس في قلوب الرعية محبة ولاة الأمر، وأن يلحفوا في الدعاء لهم؛ ولقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: لو كان لي دعوةٌ مستجابة لجعلتها للسلطان؛ ولقد آذاه السلطان، وعذبه؛ فقال: ابنه عبدالله: لم لا تدعوا على السلطان؛ فقال: متى رأيت أباك يدعو على الناس؛ فرحم الله هذا الإمام الجليل ما أشجعه في الذب عن حق الله، وما أصبره على الظلم، وأصدقه في الدعاء للمسلمين الظالمي أنفسهم.
قال أبو عبدالرحمن: ثم قال الفايع: (لعلنا عندما نتحدث عن شعر الرثاء يتبادر إلى أذهاننا أشهر شعراء الرثاء وأصدقهم والتي [الصحيح: وهم الذين] عاشت مراثيهم معنا طويلاً، ومن أبرز شعراء الرثاء نذكر (الخنساء)، ولها مراثٍ متميزة في الرقة والعاطفة، وأشهر قصائدها (الرائية) التي يقول مطلعها وهي ترثي أخاها صخراً:
قذًى بعينك أم بالعين عوار
أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار
وهناك المهلهل (عدي بن ربيعة) الذي نال لقب (المهلهل) لكونه أول من هلهل نسيج الشعر؛ أي أرقه.. وهناك (ابن الرومي) الذي أجج شعر الرثاء في قصائده هو توالى [الصحيح: إذ توالت] النكبات عليه، وهناك غيرهم كثير.. ولن أحاول الإحاطة بالكتابة عن الرثاء بشكل عام؛ ولكن سأحاول أن أتحدث عن نوع من شعر الرثاء استأثر على فكري وقلبي؛ وهو شعر (رثاء النفس) خصوصاً أنه من الشعر الذي يستدر الدموع من المآقي، ومن أولئك الشعراء الذين رثوا أنفسهم وذكرتهم كتب الأدب (أفيون التغلبي)؛ وهو شاعرٌ جاهليٌ لقب بـ (أفيون)، واسمه (صريم بن معسر التغلبي) لدغته حيَّة في ساقه؛ فعندما أحس بسمها يسري في جسمه قال قصيدةً يرثي بها نفسه أختار منها [قوله] غير مرتبة ما يلي:
ولا خير في ما كذب المرء نفسه
وتقواله للشيء يا ليت ذا ليا
فيا معرضاً إن الحتوف نثيرةٌ
وإنك لا تبقي بنفسك باقيا
لعمرك ما يدري امرؤٌ كيف يتقي
إذا هو لم يجعل له الله واقيا
كفى حزناً أن يرحل الركب غدوةً
وأنزل في أعلى (الآهة) ثاويا
قال أبو عبدالرحمن: لما توفي (زيد بن الخطاب)؛ وهو أخو عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: قال: سبقني إلى الحسنيين: أسلم قبلي، واستشهد قبلي.. وقال لـ (متمم بن نويرة) حين جعل يرثي أخاه (مالكاً): لو كنت أحسن الشعر لقلت كما قلت؛ فقال له (متمم): لو أن أخي ذهب على ما ذهب عليه أخوك ما حزنت عليه؛ فقال له عمر رضي الله عنه: (ما عزاني أحدٌ بمثل ما عزيتني به).
قال أبو عبدالرحمن: (زيد بن الخطاب) رضي الله عنه المتوفى سنة (12 هجرياً/ الموافق لـ633 ميلادياً): هو زيد بن الخطاب بن نفيل بن عبد [رب] العزى القرشي العدوي؛ وكنيته (أبو عبد الرحمن): صحابيٌ جليلٌ من شجعان العرب في الجاهلية والإسلام، وكان أسن من عمر، وأسلم قبله، وشهد المشاهد؛ ثم كانت راية المسلمين في يده يوم اليمامة؛ فثبت إلى أن قتل، وحزن عليه عمر حزناً شديداً.
قال أبو عبدالرحمن: كان الجهلة في نجد قبيل قيام دعوة الإمام) محمد بن عبد الوهاب) رحمه الله تعال: يغالون في تعظيم قبره باليمامة، ويزعمون أنه يقضي لهم حاجاتهم.. انظر (طبقات ابن سعد) 3/ 274، و(الضياء الشارق) لـ(ابن سحمان)؛ وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.