فهد بن جليد
كم أتمنى أن يتعلم ابني في المدرسة معنى الحوار الناجح والفعَّال، تعريفه؟ أسلوبه؟ أدواته؟ آدابه؟ وفنونه؟ بحيث يحاور الآخرين ويختلف معهم في الرأي بشكل راقٍ ومهذب، بعيداً عن التشبث والانتصار لفكرته ورأيه فقط، ومصادرة حق الآخرين في الاختلاف معه، وحدي في المنزل لن أستطيع تكوين (شخصيته) دون أن تقوم المؤسسات التعليمية بدورها في ذلك، حتى نصنع جيلاً من الأبناء المتصالحين مع أنفسهم ومع من حولهم، لذا أقترح على وزارة التعليم في طور مراجعتها المستمرة للمناهج الدراسية، التفكير في إدراج مادة تعنى بفنون الحديث والكلام الراقي، والآداب المتعلقة بفن الحوار والاختلاف في الآراء، هذه المكتسبات لا ينالها الإِنسان إلاَّ بعد مشوار طويل وتجارب واسعة يدفع خلالها ثمناً باهظاً بفقد أصدقاء وخسارة رفقاء في معترك الحياة اليومية، ويمكن اختصار هذه الخطوة والوقت والجهد، لو تعلم الطالب خلال مسيرته التعليمية التنوع والتعدد في الآراء والثقافات.
قليل من الناس قادرون على إدارة حواراتهم مع الآخرين في الاتجاه الصحيح، بحيث نختلف في طرح الآراء بلا خلاف، حتى نعالج قضايانا المطروحة محل النقاش بطريقة راقية وناجحة، الأمر يأتي بالتعلم والتدريب العملي تجاه ما يحمله الطالب من ثقافة خاصة لا يجب أن تصطدم مع ثقافات زملائه الآخرين في المجتمع المدرسي، تمهيداً لخروجه غداً إلى المجتمع الأكبر كعضوٍ فاعل، فحلقات النقاش في القاعات المدرسية كفيلة بالنضج الفكري والعقلي في كيفية الحوار والاختلاف، بالإنصات وتقديم الأدلة والبراهين للإقناع أو الاقتناع، أو على أقل تقدير الاتفاق حول الثوابت الدينية والوطنية مع الحفاظ على حق الغير في الاختلاف الراقي والمهذَّب فيما عدا ذلك.
الحوار وفق أطر شرعية ووطنية وعلمية، سينتج لنا جيل واع متحضر يدرك أنَّ رأيه وثقافته وقناعاته ليست هي الوحيدة والملزِّمة، فأول خطوات الاتفاق برأيي هي تعلم فنون الاختلاف، شريطة أن نقوم أولاً بتأهيل الكوادر التعليمية القادرة لتقوم بدورها في هذا الاتجاه، خصوصاً ونحن نملك خبرات ومؤسسات ومراكز وطنية متخصِّصة ناجحة ومتقدمة يشار إليها بالبنان.
وعلى دروب الخير نلتقي.