سعود عبدالعزيز الجنيدل
أؤمن تماماً بوجود صدف لا مسببات لها إلا تقدير الله سبحانه وتعالى لها، وكتابتها في اللوح المحفوظ، صدف جميلة سعيدة، وأخرى غير ذلك.
من تلك الصدف شخص أسميته «الديمة» -لشعوري الداخلي ورغبتي الملحة في استمراره ولكن هيهات- ولا أعرف حقيقة كنهه، هل هو صديق ورفيق أو مجرد عابر طريق؟ في حضوره يعمّ المكان البريق، وفي غيابه كأني غريق.
لا أعرف من أين أتى؟ ولا كيف جاء؟ كل ما أعرفه أن وجود أشخاص مثله نعمة من الله سبحانه وتعالى.
أصبح «الديمة» لا ينفك عن يومي، حاضر معي في كل أوقاتي، أضحى ديدناً، وعادة لا تفارقني، ذكرني مثلاً بالطقوس المختلفة التي تمارس عند من اعتاد احتساء القهوة مع جريدة الصباح في الزمان الجميل، أو سماع «فيروزيات» مع إشراقة كل شمس.
صار «الديمة» جزءًا لا يتجزأ من جدولي اليومي، جدولي المليء بالأعمال المهنية، والروتينية، المضجرة في أحايين كثيرة، ولكن «الديمة» يملك قدرة فائقة في تحويل الأعمال المملة التي تنفر منها النفس إلى أشياء محببة، تتوق لها.
في اعتقادي أننا كائنات صغيرة جداً مقارنة بملكوت الله سبحانه المليء بالأسرار، ومن تلك الأسرار «الديمة» التي أتصور وجود أمثاله في حياة ناس آخرين، وكم أتمنى لو أعرف كيف يتعامل الآخرون معه؟ وكيفية نظرتهم له؟ هل هو صديق ورفيق؟ أم مجرد عابر طريق؟ سيمر بنا برهة من الزمن ليضيء حيواتنا؟ ثم يتلاشى ويختفي كأنه لم يكن؟ وفي داخلي أتساءل هل كان حقيقة موجوداً أم مجرد سراب خُيل لي وجوده؟ خلته معي، ومقابلي، وأسررت له الأحاديث!
مثل هذه الأمور يصعب الفصل فيها، ولكني أؤمن بأمور كثيرة من بينها وجود «الديمة» في حياتي وحيوات آخرين غيري، يمر سريعاً، يدخل السرور والنور، ويضيف الكثير لنا.
وكل ما يتعلق بـ»الديمة» جميل، ويبعث السعادة والفرح، باستثناء أمر واحد لا أعرف كيف أواجه؟
لو كان «الديمة» جزءًا أساسياً في حياتي، كيف سأتعامل مع اختفائه وتلاشيه الذي أراه سنة يتخذها مع الكل؟ وهل أستطيع إبقاءه معي للأبد؟
كم أتمنى أن أكون «فرويديا» لأحلل شخصيته الغامضة، وأتوقع تصرفاته، والأهم من هذا كله، أن أعرف متى سيختفي؟ وهل سيشعرني قبلها؟ أم أنه سيستمر في الاختفاء، وكأن مصيره وقدره إسعادنا برهة أو لحظة، بعدها يذهب بعيداً، إلى الزوال والتواري عن الأنظار، ليبدأ مع شخص آخر، وأبقى أفكر وأفكر في «الديمة»، وأظل أسأل مراراً وتكراراً بيني وبين نفسي، كيف جاء إلي؟ ومن أين أتى؟ وأين ذهب؟ لتبقى هذه الأسئلة حائرة، تائهة، لا تجد لها سبيلاً.