أ.د.عثمان بن صالح العامر
هناك أناس كثر كلما قربت منهم ابتعدت عنهم، وهناك آخرون العلاقة معهم لا تعدو أن تكون زمالة (إما دراسة أو عمل أو سفر أو جيرة أو شراكة أو ...) وسرعان ما تنتهي حالة انتهاء هذا الرابط المحدود الزمان وإن طال، والمكان وإن اتسع، وهناك... وهناك... قلة هم من يختلفون عن هؤلاء وأولئك، فهم أصحاب وصال واتصال.. أرواحهم حية، وابتساماتهم دائمة، ونفوسهم زكية، وأخلاقهم راقية، وكرمهم كرم جبلي غير متكلف، ونخوتهم نخوة رجولية صادقة لا مجاملة فيها ولا تزلف أو محاباة، تزداد تعلقاً بهم كلما قربت منهم، وتقوى علاقة بهم مع تقادم الزمن وتباعد المكان، لا يعرفون للصداقة وقتاً وعمراً، ولا يعتدون للأخوة بخارطة أو حدود، وإذا عد هؤلاء فإن من بينهم هذا الراحل عن عالمنا الأرضي الأحد الماضي عبد الكريم النمر «أبو وعد» أستاذ التربية الفنية في متوسطة الشاطبي بحائل والفنان التشكيلي المعروف، محب الناس، عاشق الأرض، كريم الطبائع، سخي الروح، صاحب المواقف الإنسانية، والخصائص النبيلة.
لم يكن هذا الإنسان بكل ما تحمله معاني الإنسانية من نبل ومعنى- صديق المجتمع الحائلي شبابه وشيبه الذي رثاه شعراً ونثراً، وشارك في جنازته وحضر مراسم عزائه – لم يكن ذا جاه ومال، ولم تكن شهرته في وسطه الاجتماعي بسبب منصبه الذي وصل له يوماً ما، ولا هو من مشاهير تويتر والسناب حتى تلعب التقنية دوراً في تلميع صورته، وإنما هو صاحب صنائع معروف بذلها حسب استطاعته وبنفسه لأناس هم أشد ما يكونون حاجة لها ولو كانت في موازين البعض منا لا تعد شيئاً يذكر، بذلها للحيوان والشجر والنبات بل امتدت حتى للجماد، عرف عن أفعاله الخيرة هذه البعض من محبيه المقربين له وتحدث بها بعد أن رحل «النمر» عنا، وجزماً له خبايا خفية لا يعلم به أحد إلا الله، فأمثال هؤلاء فقط هم من يكون ليوم رحليهم أثر في النفوس، وشعور غريب من الحزن عند من سمع بهم فضلاً عمّن كان قريباً منهم وله بهم علاقة أياً كان نوعها وعمقها وطول مدتها وقصرها، حتى على افتراض أن مظاهرهم وأوضاعهم التي نراها لا تدل على شيء من ذلك، فما يحملونه في قلوبهم من نوايا خيرة وما يبذلونه من مال ووقت وجهد حسب استطاعتهم في وجوه الإحسان المختلفة قد تحقق لهم حب الله الذي هو سبب لمحبة أهل الأرض.
رحل «كريم» بعد أن ترك بصمته في جبال معشوقته «عقدة» بما نعته بـ»القيلة المعلقة» التي أصبحت رمزاً إبداعياً على سفوح أجا سيترحم عليه كل من جاء للمكان .. رحل وستفتقده - كما افتقده أهله ومحبوه وذووه ومن امتدت يده الخيرة لمساعدتهم والوقوف معهم - نجيل عقدة التي سقاها من ماء السماء بالشيول فرحاً بماء هو حديث عهد بالله، رحل وبقي الشيب الذي شيده فوق قمة جبل قرية الحويط 280 كيلو مترا جنوب حائل وأشرف عليه من أجل سقيا بيوت هذه القرية التي تشكو قلة المياه شاهداً له على فعل الخير والمسابقة في ميادينه، رحل وبقي ذكره الطيب الذي هو عمر ثانٍ، وكما قال صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعد بن عبد العزيز أمير منطقة حائل الذي حضر وبصحبته صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن مقرن نائب أمير منطقة حائل معزياً ومواسياً أهله والمقربين منه (لكن ذكر الرجال أطول من أعمارهم).
رحم الله أبا وعد وأسكنه فسيح جناته ورزق أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان وأعاننا على ما أعانه عليه وما بعد، وإلى لقاء والسلام.