رقية سليمان الهويريني
قضية بناء الإنسان قديمة عني بها الرسل والمصلحون وعلماء الاجتماع باعتبار أن الإنسان محور العمليات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وقد أطلق المفكر الإسلامي مالك بن نبي عبارة (إن الاقتصاد ليس قضية بنك وتشييد مصانع فحسب! بل هو قبل ذلك تشييد الإنسان وإنشاء سلوكه الجديد أمام كل المشكلات).
ورغم أن نجاح الأمم يحسب بقوة اقتصادها ومتانته؛ إلا أنه لا يمكن أن يصمد مع ضعف الإنسان وخوره، فقد فشلت التجربة الإندونيسية في الارتقاء بالاقتصاد رغم ما حشد لها من جهد وما أحيط بها من أسباب النجاح، إلا أنها في الواقع لم تكن تجربة ناجحة بمقاييس الاقتصاد الحقيقي، حيث كان الشعب الإندونيسي حينها مضرجاً بدماء الاستعمار.
وواضع تلك التجربة هو الدكتور الألماني «شاخت» وكان قد طبّقها في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، ولكنها فشلت لأن الشعب الإندونيسي غير الشعب الألماني، وقد تم تجاهل هذه الخصوصية فسقطت التجربة لفشل شروطها، حيث لم يكن مقصوداً بها بناء الإنسان بقدر البناء المادي البحت، ولا يكفي استيراد النظريات والتجارب الاقتصادية الغريبة، كما تستورد السلع والماديات.
إن عامل الخصوصية البشرية والاجتماعية مصطلح يستخدم في غير موضعه. فالخصوصية لا تعني الثقافة المحلية فحسب؛ بل تعني الإحاطة بكل الظروف المتاحة سواء المناخية أو التضاريس أو الخيرات، فالبلاد التي مُنيت بظروف اقتصادية قاسية استطاعت من خلال تعاضد عقولها وأيديها وأموالها الصمود والنمو، ومثال ذلك الهند والصين رغم أعداد سكانها الهائلة وضعف مواردها الطبيعية، حيث لا نفط ولا اعتدال في المناخ! كما أن هناك دولاً قامت من كبوتها وقاومت صدمتها كاليابان التي تشكِّل في مجملها ورشة عمل مشتركة لأجل المحافظة على استمرار اقتصاد متحرِّر لا يخضع لضغوط خارجية، فهو أبداً صامد مستقل.
ولن يستقيم أي اقتصاد مهما كانت متانته، ولن تستوي أية سياسة مهما كان دهاؤها وحكمتها ما لم تهتم ببناء الإنسان السوي الذي يضع من فِكره لبِنة لإعمار الأرض وعمارها.
وفي بناء الإنسان ينبغي استهداف صياغة منظومة القيم والمثل داخله، لأن المرء بدون سياج القيم يستطيع سحق العالم! تماماً مثلما باستطاعته أن يمد الجسور ويعلي البنايات ويغزو الفضاء ويخدم البشرية بفكره وعقله!