د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
«هل تستطيع أن تقسمَ القلب وتجعلَه يعمل ؟!».. كذا جاء استفهام «المهاتما غاندي 1869-1948م» الإنكاريُّ - كما ورد في الفيلم الدرامي (فايسرويز هاوس) أو «منزل نائب الملك» المنتَج عام 2017م - ليحكي من وجهة نظرٍ أقرب للشخصية تجربة مخرجته «غريندر شاذا» 1960م - حين فرت جدتُها من منزلها ومعها بنوها بعدما صدر قرار تقسيم شبه الجزيرة الهندية عام 1947م.
** التأريخُ ليس فيلمًا سينمائيًا تُمتعه إثارة أو استثارة لكنه حافزٌ للاستزادة والاستفادة «ربما» أو للتأمل والاعتبار في ضفة موازية، وتبقى الحقيقة غيرَ معنيةٍ بما يكتبون ومن يكتبون، ولو توافر على تدوين التأريخ مئة مؤرخٍ ثبتٍ لقرأنا مئة روايةٍ متباينة أو متضادة أو مسكونة بالأدلجة والهوى.
** انقسم القلب كما لم يُرد غاندي، وظلَ يعمل كما لم يتوقع، وتحقق استقلال المستعمرة البريطانية الكبرى، واتُّهم غاندي بمحاولة تأجيله بالرغم من تبنيه نضال الحركة الوطنية المُقاومة حتى صار رمزًا لها، وظهرت دولتا «باكستان والهند» في نهاية الأمر وبينهما إسفينُ الإثنيَّات والمعتقدات وخطوط الطول والعرض ليُطلاَّ عبر انقسام قلبٍ موجعٍ ينزف حروبًا وثارات.
** القضية هنا هي القلب حين ينقسم ويعمل، وإذا أفلح مع وطنٍ صار وطنين، وشعب أضحى شعبين، وأرض انفصلت أرضين، ثم ازدادت القسمة لتصبح شبه الجزيرة الهندية ثلاثة أوطان وشعوب وأراضٍ، فإنه سينقسم ويتكاثر ويصير قلوبًا يحملها الحبُّ كما الكُره، والشجاعة مثل الخوف، والوفاء والاستيفاء، والكذب والصدق ،والإماتة والإحياء، وليعذرْنا السيد غاندي؛ فالقلب ليس كلَّ أو أيَّ قلب من لدنك ومَن قبلك إلى لدنَّا ومَن بعدنا، والسياسيون «تحديدًا لا حصرًا» أعلم منا بتعداد القلوب وأنماطها وتحدياتها كما تعدياتها.
** قلوبنا صارت تعمل في كل الاتجاهات مع الحياة الملهاة بقدرة فائقة على الانقسام والتكاثر، وقد كان الحوار الثقافي معنيًا بمحاولات السيطرة على العقل الممثِّل هُويةَ الإنسان وكرامتَه وقيمتَه وقامتَه، وهي محاولات ممتدة منذ الأزل، وبقي الحديث عن مصادرة القلب أو السيطرة عليه محصورًا في نصِّ ساردٍ وشاعرٍ وناثر، مع أن أمره ليس أقلَّ شأوًا من أمر العقل ، ولأنه لم يبق كما كان لشدو العواطف بل منصةً لإطلاق العواصف.
** تساءل أمل دنقل 1940-1983 م في خالدته: «لا تصالح»: أكلُّ الرؤوس سواء ؟! أقلبُ الغريب كقلب أخيك ؟!... «فربط القلب بالعقل كما لا ينفصلان أو لا يصحُّ أن ينفصلا، ومن جاء بلا قلب فقد ودَّع العقل معه، كما أن من يُعوزُه عقل رشيد لا يستطيع أن يضم قلبًا متزنًا، ولو راجع من يُدوِّن ومن يحكي ومن يتعامل ومن يتفاعل سلوكه القولي والعملي فقوَّمه وتغير وَفقًا لمحاكماته وأحكامه لامتدَّ به وهج الحياة المطمئنة من غير أن يجورَ أو يحور.
** القلبُ عقلٌ حر..