عبدالعزيز السماري
يردد بعض العرب كثيراً بيت الشعر الشهير عند تناول أوضاعهم في بلادهم، «بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ظنوا علي كرام»، ومع ذلك قرر كثير منهم الهجرة إلى الغرب بحثاً عن حياة جديدة، وقصة الهجرة العربية إلى الشمال، أو إلى الغرب أصبحت خطراً يهدد ثقافة أوروبا، فالوجود العربي في بعض الدول هناك تجاوز تعريف الأقلية..
لكن التساؤل المطروح، الذي حاولت بعض الدراسات الإجابة عنه، ما الذي يدفع الإنسان إلى الهجرة خارج بلاده، وهل شؤون السياسة أحد هذه الأسباب، أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى عوامل أخرى..، دعونا نلقي نظرة على بعض الأسباب حسب الدراسات الاجتماعية، التي تجعل مجموعات مختلفة من الناس تختار الهجرة.
يأتي على رأس القائمة الهروب من الماضي أو من عناء الاضطهاد الاجتماعي على أساس العرق أو الدين أو الجنسية، ولهذا السبب تهرب الأقليات المضطهدة في بعض الدول إلى بلاد يتساوى فيها الناس مهما اختلفوا تحت مظلة القانون، ومن الأسباب أيضاً الهرب من الصراع أو العنف، ولا نحتاج أمثلة على ذلك، فبعض البلاد العربية دفعوا شعوبهم للفرار عبر الحدود إلى الخارج..
كذلك تمثل الكوارث الطبيعية والتآكل والعوامل البيئية الأخرى الناجمة عن تغير المناخ تهديدات حقيقية تؤثر بشكل غير متناسب على الأشخاص الذين يعيشون في الفقر، حيث تشير منظمات إنسانية تعنى بالبيئة إلى أنه قد يتم تشريد مليار شخص في السنوات الخمسين القادمة مع تفاقم آثار تغير المناخ.
ومن أهم الأسباب الهجرة الرغبة في الحصول على رعاية صحية متفوقة، فالإنسان يعيش في قلق إذا كان مصاباً بأمراض مزمنة أو لديه أطفال يعانون من ذلك، فالرعاية الصحية أصبحت ضرورة قصوى، وإذا فُرغت من الجوانب الإنسانية تبدأ قصص المعاناة لذوي الدخل المحدود وما دون ذلك.
يهاجر الإنسان أيضاً هربًا من الفقر، فالفقر عاهة مستديمة، ويولد شعوراً متناميًا بالعجز وقلة الحيلة والمهانة، وعدم القدرة على التفكير أو التخطيط، والفقر عادة نتيجة وليس سبباً، فالمجتمعات التي تعاني من الفساد المالي والإداري ترتفع فيها نسب الفقر والمجاعات، وتدفعهم للبحث عن وطن بديل.
في كثير من الأحيان، يتخذ الآباء قرارًا صعبًا بالهجرة كي يتمكن أطفالهم من الاستفادة من أشياء مثل التعليم المتفوق وفرص العمل الوافرة، وانتشرت ظاهرة عربية خلال العقود الماضية، وهي السفر إلى الغرب لوضع مواليدهم الجدد من أجل الحصول على الجنسية في المستقبل..
من الأسباب الأخرى البحث عن فرص أفضل للتعليم والعمل، فالفرق شاسع بين الشرق والغرب في فرص التعلم والحصول على مهارات جديدة، ولذلك يهرب البعض إلى الغرب من أجل حياة أفضل، وفي حالات أخرى قد تأتي لبعض المبدعين عروض مغرية وفرص أفضل في حياتهم العملية.
أخيراً، عندما نفكر في مسألة الهجرة، وأفضل طريقة لفهمها، دعونا نحاول أن نتذكر أننا نتحدث عن أشخاص حقيقيين، عن الناس الذين اتخذوا قرارًا كبيرًا لاقتلاع حياتهم من الجذور، والبدء من الصفر في مكان جديد وبعيد، وقد يكون من نتائجه في المستقبل البعيد خروج ما يسمى بالمواطن العالمي، فالفرص قد تتجاوز الحدود، وقد تفقد المواطنة بعض معانيها في حال تراجع الحركات القومية والوطنية في مختلف أنحاء العالم.