سعود عبدالعزيز الجنيدل
هل نظرة الناس لمختلف القضايا والنوازل نظرة عادلة؟ وهل هي محايدة ومتجرِّدة من ترسبات سابقة تجاه تلك القضايا؟ وهل نحن نرى العالم كما هو؟
هذه بعض أسئلة تدور في مخيلتي، ولا بد من مجابهتها والتصدي لها، وكذلك تسليط مشرط النقد، لعلي أصل لإجابات ترضيني.
لا يخفى على أحد صعوبة الحياد في كثير من القضايا أياً كانت، فالروابط والمشاعر والعلاقات غالباً ما تتدخل في أحكامنا، وقراراتنا، فنحن نرى العالم من خلال ستار من الفلاتر والمفاهيم!
وسأضرب في هذا المقال عدداً من الأمثلة التي تبيِّن وجهة نظري التي قد تكون مقبولة عند بعض الناس دون بعض.
لو افترضنا جدلاً وجود حدث ما قام رجلان، وهو عبارة عن صدقة دفعت لمستحق ما، أحد الرجلين بيني وبينه خلافات كبيرة، والآخر لا، كيف سيكون تقييمي لهذا الحدث؟ أكاد أجزم أنني سأحاول التقليل من التصرّف الخيِّر الذي قام به الرجل الأول، لوجود ترسبات عنه أثّرت في قراري، بعكس الآخر لا يهمني أمره، وليس هناك ما يؤثِّر علي في حكمي، لذلك سيكون حكماً صادقاً لا تشوبه شائبة، لغياب ما يؤثِّر علي من مؤثِّرات خارجية لا علاقة لها بالحدث نفسه.
والأدهى من ذلك قد تصادف في كثير من الأحايين من يحاول تهميش إنجاز ما أو التقليل من قضايا ذات أهمية صنعتها وحققها دولٌ أو مؤسسات أو أفراد ...
وينظر إلى هذه الإنجازات أياً كانت نظرة تشاؤمية، سلبية، ويبذل أقصى ما يستطيع لكي لا يعترف بهذا التقدّم والإنجاز، وهو يعي تماماً أنه بهذا الحكم يدخل علائق وترسبات سابقة لا علاقة لها بالحقيقة! فبالتالي سيكون الحكم والتعليق أبعد ما يكون عن الصواب، لذلك العرب تقول:
وَعَينُ الرِّضَا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
فحينما أكون راضياً عن شخص ما، فمهما فعل فسألتمس له العذر، والعكس صحيح حينما أسخط عليه، فإن عيني لن تقع إلا على ما يسوء، ويبدو أن هذه حقيقة، وما قاله الشاعر يعبِّر عن واقع بين بني البشر!
وكيف نخرج من هذا الواقع الأليم، وهذه النظرة البعيدة كل البعد عن الحياد، حقيقة لا أعرف، ولو رجع الأمر إلي لفرضت الحياد في إصدارنا للأحكام أياً كانت، إضافة إلى حُسن الظن بالآخرين، وتجريد أحكامنا من العلائق السابقة.
وأختم المقالة بذكر بيت لأبي نواس، قد يراه شخص ما لا معنى له، ويراه آخر منتهى الوصف، والدقة، كما ذكر الصولي في تعليقه على البيت، قال أبو نواس:
ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمرُ
ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهرُ
علَّق الصولي بقوله: إن المعنى في قوله: وقل لي هي الخمر: إنها لعزتها عنده ومحبته لها أراد أن يتلذَّذ بها بحواسه الخمس التي هي طرق اللذات، وهي: الشم، والذوق، واللمس، والبصر، والسمع. فلما شرب القدح أبصرها وذاقها ومسها وشمها، فبقي أن يسمعها، فقال: وقل لي هي الخمر!
بالنسبة لي لا أظن أن الشاعر نفسه فكر بهذه الفكرة! ولكن عين الرضا للصولي كليلة، بينما عين الآخرين قد تبدي المساويا!